«فخ السفر» التلاعب بالقوانين الأوروبية يورط المراهقين في الهجرة غير الشرعية

وزير الخارجية الأسبق:”لم تنطلق أي رحلات هجرة غير شرعية من الأراضي المصرية منذ عام 2016

• تحقيق: كرستين ميلاد- شيماء عبد الباقي- فرحة محمد- إسلام حلمي- محمد رجب

يستغل المهربون القوانين الأوروبية خاصة الإيطالية، التي تجبر الدول على استقبال الأطفال والمراهقين والنساء المهاجرين بطرق غير شرعية مما يشجع المزيد من المراهقين على القيام برحلات الهجرة الخطرة. يتعاون المهربون مع شبكات في مصر وخارجها، ويحصلون على مبالغ كبيرة تصل إلى 400 ألف جنيه للفرد، مقابل رحلات بحرية قد تنتهي بالموت.

في هذا التحقيق نتعرف على سبب الهجرة غير الشرعية للمهاجرين، والمآسي التي تعرض لها مراهقين وأطفال هاجروا بشكل غير شرعي، والقوانين الأوروبية التي كانت سببا في تفاقم هذه الظاهرة، وكيفية تصدي مصر لها ، كذلك الجهود الأوروبية التي تحاول إيجاد بدائل عن استقبال المهاجرين بشكل غير شرعي عن طريق منح مالية.

خداع في الغربة

لم يدرك محمد عبد النبي أن حلمه في السفر والعمل في مجال العمارة بالخارج؛ سيتحول إلى معاناة طويلة من الاستغلال والخداع والمخاطر التي كادت تودي بحياته ، بدأت القصة حينما تواصل مع أحد المهربين لتسهيل سفره إلى إيطاليا بطريقة غير شرعية للعمل هناك، عندها أخبره المهرب بأنه سيتكفل بجميع الإجراءات ة القانونية، بشرط أن يسلمهم جواز سفره وأوراقه الشخصية، وألا يقلق بشأن أي شيء، لأنهم سيوفرون له عقدًا رسميًا للتوظيف، وسكنًا بمجرد وصوله ، بعد انتهاء الاجراءات ودفع المبلغ المطلوب بدأ رحلته مع مجموعة من الشباب الذين يحملون نفس الحلم متأملين أن يصلوا إلى بلد جديد، يجدون فيه عملاً مناسبًا وسكنًا كما وُعدوا ،لكن منذ لحظة دخولهم أول بوابة، بدأ يتضح لهم أن الأمور لم تكن كما كانوا يظنون، وقال:” عندما قابلنا الكفيل أخبرنا أنه المسؤول عنا، وسيوفرعمل لنا ومراجعة أمورنا القانونية”.

وأضاف: “استولى هذا الرجل على جوازات سفرنا، والعقود، والبطاقات الشخصية، وجميع مستنداتنا الرسمية، بحجة أنه سينهي إجراءات إقامتهم القانونية” ، بدأ “محمد” ورفاقه – 24 شخص – العمل على الفور، وتم تخصيص مكان لهم للنوم في نفس موقع العمل، وهو ما بدا غريبًا لهم منذ البداية، لكنهم كانوا يظنون أن هذا الوضع مؤقت، وأنه بمجرد حصولهم على الراتب سيتمكنون من استئجار بيت مناسب لهم والعيش بشكل أفضل.

مرت الأيام، وتزايدت ساعات العمل، لكن لم يتم دفع أي أجور، وعندما طالبوا برواتبهم، فوجئوا برد صادم من الكفيل، حيث أخبرهم بأنه ليس لديه أي أموال لهم، وأنهم لا يملكون أي حق في المطالبة بشيء، لأنهم من الناحية القانونية أصبحوا بلا أوراق ثبوتية، وبالتالي ليس لهم أي حقوق.

ويتابع محمد: “أخبرنا إما نستمر في العمل معه، أو العودة إلى بلادنا بدون جوازات سفر أو اثبات لهويتنا”. وازداد الامر سوءا لأنهم أصبحوا عالقين، لا يستطيعوا العودة الى بلادهم لا يستطيعوا العمل في اليونان.

مصير مجهول

يستكمل عبد النبي، انهم توجهوا إلى السفارة المصرية لطلب المساعدة، وإعادتهم إلى مصر، مضيفا: “صدمنا بالرد، وقالوا لنا أنه ليس لديا اي دليل على دخولنا اليونان بطريقة قانونية، وبالتالي لا يمكنهم إخراجنا منها” ، حاولت السفارة، البحث عن الرجل الذي أخذ أوراقهم لكنها لم تتمكن من العثور عليه، وحينها استمر على موقفه 5 فقط من المجموعة المكونة من 25 شخص، وتفرّق الباقون، ولم يعلم أحد مصيرهم ، بعدما نفد المال منهم، قضى محمد ورفاقه 3 أيام في الشارع، حتى التقوا بشخص مصري عرض مساعدته في اعادتهم الى مصر مقابل 3 آلاف جنيه لكل شخص، وبعد التواصل مع الأهل أرسلوا الأموال عبر شخص وسيط بمصر.

ويضيف: “وصلنا بالشخص الدليل التابع به، وهو المسئول عن إعادتنا إلى مصر، واستغرقت الرحلة من أسبوع إلى عشرة أيام، وقادنا في رحلة عبر الجبال والصحاري، سرنا لساعات طويلة وكنا نختبئ في أماكن سرية في الجبال لا يعرفها سوى الدليل” ، وبعد معاناة استمرت سبعة أيام، حتى وصلوا إلى السلوم على الحدود المصرية. سلموا أنفسهم إلى أمن الدولة المصري، وأوضح محمد: “تم احتجازنا في الإسكندرية لمدة يومين، وبدأنا في البحث عن وسيلة للعودة إلى منازلهم، وتمكنا من الاتصال بعائلاتنا، وأرسلوا لنا مال للعودة”.

خطر في عرض البحر

لم تختلف تجربة محمد عما مر به أحمد رضا، (16 عاما)، وقريبه محمد عبد الحميد (14 عاما)، إذ واجها مصيرا مأساويا في الغربة وتحكي كواليس رحلتهما صبرين محمد زوجة عم أحمد رضا.

وتقول: “لم ينجح في التعليم، فقرر السفر بحثًا عن العمل خارج مصر، ورغم عدم كفاية المال، ساعده والده بتدبير المبلغ المطلوب (150 ألف جنيه) عبر بيع سيارة بالأجرة “ميكروباص” مصدر رزقه الوحيد”.

دفع الأب هذا المبلغ لأحد السماسرة الذي وعده بتأمين سفر ابنه إلى الخارج بطريقة غير شرعية، وبدأت الرحلة، وانطلق “أحمد” مع مجموعة من الشباب، وفي منتصف الطريق، تفاجئوا باعتراض مركب مسلح طريقهم، وصعد المسلحون إلى المركب، وأخذوا كل الركاب كرهائن.

وتضيف: “بعد ساعات من الترقب والخوف، اتصل المسلحون بأهالي المختطفين، وأخبروهم بأنهم يحتجزون أبناءهم، وطالبوا كل أسرة بدفع فدية قدرها 100 ألف جنيه مقابل إطلاق سراحهم. بعض العائلات دبرت المبلغ، فتم الإفراج عن أبنائهم، لكن آخرين لم يستطيعوا الدفع، ومن بينهم أحمد”.

دفع الأب كل ما يملك من مال لكي أسافر، وحاول جمع المبلغ المطلوب للفدية، لكنه لم يستطع، وبعدها اتصل بالخاطفين ليتلقى ردًا صادمًا: “ابنك اترمى في البحر.. دور عليه هناك”.

تحولت القصة إلى مأساة، وخرج الأب في رحلة بحث يائسة، مستعينا بغواصين، في المنطقة التي أخبره بها زملاء ابنه الناجون بأنهم رأوا فيها أحمد يُلقى في المياه مع آخرين ممن لم يتمكنوا من دفع الفدية. وتم جثته مع آخرين تتراوح أعمارهم بين 15 و16 عامًا، من قرى ريفية.

رحلة «تراحيل»

أما محمد عبد الحميد (14 عاما)، كان صاحب النصيب الأكبر في دفع المال، إذ دفع 400 ألف جنيه نظير السفر إلى إيطاليا بطريقة غير شرعية، وحصل على عقد عمل عن طريق أحد السماسرة الذي وعده بأن الأمور ستكون سهلة، وأنه بمجرد وصوله سيجد العمل والسكن في انتظاره.

وتتابع صابرين: “تم الاتفاق على أن تكون الرحلة “تراحيل”، أي يتم تغيير وسائل النقل عدة مرات حتى يصل إلى وجهته النهائية. وقبل المغادرة، قال له المهربون: “نحن غير مسؤولين عما تتعرض له في الطريق، وصلت أهلا بك، لم تصل فهذه مشكلتك” ، أبحر المركب لكن في منتصف الرحلة تم اعتراضه من قبل السلطات، وبقي في المياه لأربعة أيام كاملة يصارع الأمواج والجوع والإرهاق، حتى وصل أخيرًا إلى شواطئ إسطنبول في تركيا.

وتستكمل: “تم تهريبه عبر الغابات، واضطر إلى الاختباء بين الأشجار لفترات طويلة، ثم نُقل في شاحنات محملة بالبضائع، ويقول: “وفي إحدى المرات تم وضعي وسط البطاطس، وفي مرة أخرى داخل أكياس دقيق”.

وعلى حد وصفها، فإنه بعد رحلة طويلة مليئة بالمخاطر، تم تهريبه إلى الحدود الإيطالية، لكنه وجد نفسه في بلد غريب، بلا مأوى، بلا عمل، وبلا أي أوراق رسمية. اضطر إلى النوم في الشوارع فتراتٍ طويلة، وما زال تائها.

بداية كابوس

بينما كان يحلم زكريا عيسى، بمستقبل أفضل إذ لم يتجاوز عمره 15 عاما، قرر الاتفاق مع مُهرب ليبي لسفره إلى إيطاليا ، يروي زوج شقيقته يسري صلاح راتب كواليس ما حدث ويقول : “الاتفاق كان مقابل دفع 380 ألف جنيه، وبالفعل دفع الأموال بعد أن استدانت أسرته” ،وبعد أسبوع من دفع المبلغ جاء موعد الرحلة، تحرك زكريا مع المهاجرين معه ،عبروا الصحراء وانتظروا أيامًا في ليبيا حتى جاءتهم الإشارة “الليلة ستركبون البحر”.

ويستكمل: “قبل أن يصل إلى المركب اُختطف من قبل رجال مسلحين وطلبوا من والده 500 ألف جنيه مقابل حياته، ثم أمهلوه فقط 48 ساعة وخلالها تلقى الأب اتصالاً يسمع فيه صراخ ابنه تحت الضرب ، وفي سباق مع الزمن تداين الأب مرة أخرى بمبلغ أكبر لينقذ حياة ابنه هذه المرة، وأرسل لهم المبلغ على حساب ليبي، بعد حصولهم على الأموال ألقوه على متن القارب ليستكمل رحلته.

مافيا التهريب

اخترق فريق «تحت السن» المجال السري للسفر غير الشرعي وتهريب البشر من مصر، واتضح لنا أن عصابات التهريب تعمل بشكل منظم، ولا يقل المبلغ للفرد الواحد عن 500 ألف جنيه مصريا.

نجحنا في التواصل مع أحد منظمي الهجرة غير الشرعية بهدف السفر إلى إيطاليا، تم التواصل عه بادعاء السفر إلى الخارج.

واستكمل المُهرب حديثه، طالبا منه السفر إلى ليبيا ومن هناك يتم السفر بشكل سهل إلى إيطاليا، إذ تنطلق رحلة شهرية، وفي اليوم التالي تواصل المُهرب مع إسلام ليؤكد ضرورة دفع الأموال المقدرة بـ 160 ألف جنيه، لينضم إلى رحلة شهر فبراير، وحال تأخير الدفع ينتظر للرحلة التي تليها.

لم تختلف كواليس الاتفاق على السفر إلى إيطاليا، عن نظيرتها للسفر إلى اليونان، إذ تواصل محمد رجب من محرري «تحت السن» مع مُهرب آخر.

كان أكثر وضوحا من نظيره السابق، وقال: “السفر إلى اليونان مقابل 170 ألف جنيها، والدفع بعد الوصول”، لكن هذا الاتفاق يحمل في طياته كواليس أكثر تعقيدا.

وبحسب وصف المُهرب الثاني – نحتفظ باسمه – كشف خط السير والذي يبدأ من عبور لحدود المصرية إلى ليبيا، ومن هناك يكون أمام المهاجرين خياران، أولهما السفر بطريقة رسمية عبر جواز سفر وتأشيرة وتصريح أمني؛ وهو ما يتطلب إجراءات قانونية معقدة.

أما الخيار الثاني هو التهريب عبر الحدود الجبلية عبر السير نصف ساعة على الأقدام لعبور الحدود بدون توقف، وأضاف: “تستقل سيارة لتنقلك إلى مكان آخر، قد تمكث فيه لمدة 20 يوما، حتى يحين موعد رحلتك في البحر وتصل إلى اليونان في غضون يوم واحد”.

لا توفر هذه الطريقة في السفر أي ضمان لوصول الشخص سالما، إذ يتم إنزاله في المياه قرابة سواحل اليونان، واستكمل المُهرب: “لا تقلق، ستأتي قوات الإنقاذ اليوناني من البحر وينقلونك إلى مركز الاستقبال، وتمكث هناك 3 أيضا لإجراء كشف وفحوصات طبية”.

استمر في محاولات الإقناع قائلا ان السفر إلى اليونان أسهل وأن القوات مُجبرة على إنقاذ الشخص حال عمل استغاثة في البحر، ولا يتم ارجاع الشخص إلا إذا كان مُتهما في قضية كبيرة.

معقد سياسيًا

«ملف الهجرة غير الشرعية مُعقد سياسيا بعض الدول له كنوع من الابتزاز لأطراف أخرى» كان هذا تعليق السفير محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق، وقال لـ “تحت السن” أن دولة تركيا فعلت هذا الأمر مع أوروبا لأن الدول الأوروبية ترى الهجرة غير الشرعية سلاحًا مدمرًا وسلبيًّا.

وأضاف العرابي: “مصر دولة عبور أكثر من كونها دولة مصدرة للمهاجرين غير الشرعيين، وعلى الرغم من أن هناك أعدادًا قليلة جدًّا من الشباب المصري الذي يحاول أن يسلك هذا الطريق، ونجح بعضهم في الهرب بالفعل عن طريق الهجرة غير الشرعية، لكن الحقيقة أنه منذ 2016 لا يوجد مركب هجرة غير شرعية خرج من مصر”.

محمد العرابي سفير الخارجية الأسبق

واستكمل وزير الخارجية الأسبق، في المقابل تعاني دول مثل ليبيا وتونس من ضعف السيطرة على حدودها؛ مما جعلها بؤرة أساسية لتصدير المهاجرين نحو إيطاليا وأوروبا.

وشدد على أن مصر تبنت نهجًا متوازنًا، فاستقبلت مهاجرين ودمجتهم اجتماعيًا واقتصاديًا من دون طلب دعم مالي خارجي.

وتابع: “من الناحية المؤسسية، تتولى اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية التابعة لرئاسة الوزراء وتضم جهات أمنية، إدارة هذا الملف لضمان استمرار النجاحات المحققة”.

جهود مصرية

وفي السياق ذاته، قال الدكتور محمد سالمان، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة،  إن مصر دولة قوية ومنضمة إلى العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية لمكافحة الهجرة غير المشروعة، إضافةً إلى انضمام الشرطة المصرية إلى الإنتربول الدولي لتعقب المجرمين والمهاجرين غير الشرعيين.

ونوه سالمان، بأن مصر تؤكد التزامها باتفافية المشاركة المصرية الأوروبية “الأورومتوسطية” المعروفة باسم “بارتنرشيب”، والتي تؤكد من خلالها رفضها التام للهجرة غير المشروعة، وعدم السماح بأن تكون أراضيها محطة لعبور المهاجرين، سواء كانوا مصريين يسعون للهجرة إلى أوروبا أو غير مصريين يستخدمون مصر كنقطة انطلاق.

وأضاف أستاذ العلوم السياسية، أنه عند الحديث عن تأثير الأوضاع الإقليمية المضطربة على الهجرة، نجد أن النزاعات المسلحة والتوترات السياسية والحروب، والقلاقل التي شهدتها المنطقة والدول المجاورة لمصر خلال الفترات الأخيرة؛ ساهمت في زيادة معدلات اللاجئين والنازحين؛ مما أدى بدوره إلى ارتفاع نسبة المهاجرين إلى مصر.

استاذ دكتور محمد سلمان استاذ العلوم السياسية

وتابع: “لكن رغم هذه التحديات، فإن مصر حريصة على ألا تكون نقطة انطلاق لأي هجرة غير مشروعة إلى أي دولة أخرى، وتبذل جهودًا كبيرة لضبط حدودها والتصدي لعمليات الهجرة غير الشرعية، سواء عبر البحر أو البر”.

وأوضح أنه فيما يخص الهجرة غير المشروعة للمصريين تعمل الدولة على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل مصر، لأن تحسين مستويات المعيشة، وزيادة فرص العمل، وتحقيق التنمية المستدامة، كلها عوامل تؤدي إلى تقليل رغبة الشباب والمراهقين في الهجرة غير الشرعية، لأن الشباب لن يكونوا بحاجة إلى مغادرة بلادهم بحثًا عن فرص أفضل في الخارج.

جرائم زائدة

“لا أرى أي تأثيرات سلبية على اقتصاديات الدول المستقبلة للمهاجرين غير الشرعيين لأن اقتصادها يتحمل المزيد والمزيد”.. هكذا تحدث مدحت صبري، الخبير الاقتصادي، قائلاً “خوفهم من الهجرة غير الشرعية ليس خوفًا على الاقتصاد، لكن خوف يكمن من ناحية السلم الاجتماعي لبلادهم وشعوبهم أو ارتفاع معدلات الجريمة”.

وأكد الخبير الاقتصادي، أن الهجرة غير الشرعية أصبحت السبيل الوحيد أمام ملايين الفقراء الذين يتطلعون إلى غدٍ أفضل، وتزايدت أعداد المهاجرين العرب والأفارقة؛ هربًا من اضطهاد سياسي أو ديني أو عقائدي أو عرقي، وتكبدت دول أوروبا خسائر أمنية واقتصادية تربك مشاريعها التنموية، وتقلل من فرص العمل لمواطنيها، لذا بدأت في التصدي إلى ظاهرة الهجرة غير الشرعية”.

الخبير الاقتصادي مدحت صبري

وتابع: “تكبدت أوروبا في سبيل ذلك أموالًا طائلة، ورصدت ميزانيات تقترب من المليارات لمساعدة الدول المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين في وقف الهجرة من أراضيها، والدفع للدول المصدرة للمهاجرين أو دول العبور منها وإليها، فضلا عن تكلفة الدول المستقبلة للمهاجرين غير الشرعيين وتكلفتها لإعادتهم إلى بلادهم”.

وقال: “إن العديد من الدول المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين استفادت سواء كانت مصدرة لهم أو دول معبر من أراضيها وبحارها، لافتا إلى أن مصر حصدت مليارات الدولارات كمساهمة من الدول الأوروبية لمساعدتها في وقف الهجرة غير الشرعية من أو عبر أراضيها، كما وصلت إلى الخزانة المصرية خلال الفترة من 2014 وحتى 2024 ما يقرب من 33 مليار دولار ويورو وعملات أخرى؛ مساهمةً من دول أوروبا في وقف والقضاء على الهجرة غير الشرعية عبر أراضي مصر”.

كذلك ساهمت دول الاتحاد الأوروبي بمبلغ 18 مليار دولار في الربع الثالث من 2014 والربع الثالث من 2024؛ طبقًا لما أعلنته وكالة “غوث اللاجئين”، وتقارير وزارة الخارجية المصرية، والنشرة الدورية للبنك المركزي المصري، وبيان الخزانة العامة.

ثغرات قانونية

توجهنا إلى محمود البدوي، مُحامٍ ومستشار قانوني بنقابة المحامين المصرية، ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان، لنسأله عن المراهقين في هذه الحالة هل يكونون ضحايا أم مخالفين للقانون.

أجاب قائلا: إنهم يجمعون بين الصفتين، فهم ضحايا لعدم معرفتهم بالمخاطر والمشاكل التي قد يتعرضون لها، لكنهم في الوقت نفسه يخالفون القانون، الذي غالبًا يعاملهم كضحايا، وتوجه العقوبات في الغالب إلى السماسرة والشبكات التي تدير هذه العمليات.

وأوضح “إذا دفع الشخص المال طواعية فإنه يكون شريكا لأنه من وضع نفسه في هذا الوضع الخطير، لأنه حال نجاحه في الوصول سيساهم في نشر صورة مغلوطة للآخرين عن واقع السفر مما يشجع الآخرين”.

المحامي محمود البدوي

وتابع البدوي: “يستغل المهربين الثغرات القانونية في تهجير الأطفال والمراهقين ومن أقل من 18 سنة، وفي فترة معينة لاحظنا أن المهربين أصبحوا يركزون أكثر على تهريب الأطفال بدلًا من البالغين، وذلك بسبب ثغرة في قانون الهجرة والجنسية الإيطالي”.

ونوه بأن القانون الإيطالي، بحكم التزامه بالاتفاقيات الدولية، يُلزم الدولة بإعادة المهاجر غير الشرعي إلى بلده، لكن في حالة الأطفال والنساء الحوامل، ينص القانون على ضرورة استقبالهم وتوفير المأوى الآمن لهم، إضافةً إلى إصدار أوراق ثبوتية ومعاملتهم معاملة حسنة؛ لذلك، بدأ المهربون في استغلال هذه النقطة، لأنهم أدركوا أن الأطفال الذين يصلون إلى إيطاليا لن يُعادوا إلى أوطانهم”.

وأكد أن هذا يوضح تطور العصابات الإجرامية في استغلال الثغرات القانونية، مضيفا: “يعملون بشكل منظم عبر الاستعانة بأفراد لديهم خبرة قانونية تساعدهم في التحايل على القوانين الدولية؛ ولهذا طالبنا بتعزيز التعاون بين الخارجية المصرية ونظيرتها الإيطالية لمواجهة هذه الظاهرة، لأن الحل يتطلب تعديلًا تشريعيًا من الجانب الآخر أيضًا”.

فرصة الوطن

تتعدد أسباب الهجرة غير الشرعية ولا يكون البحث عن النجاح هو الهدف الوحيد، إذ تشرح الدكتورة إيمان الريس، مستشار أسري وأخصائي نفسي، أسباب الهجرة غير الشرعية قائلة: الضغط النفسي والعصبي يؤثر على المراهق وبالأخص عندما يتحمل مسئوليات أكبر من قدرته، وفي بعض الأحيان يكون الهروب من المجتمع أو المنزل أحد الأسباب الرئيسية ، وعوامل أخرى مؤثرة مثل الأفكار الخاطئة، والتفكير السلبي، والحاجة المادية، والمقارنات المستمرة، موضحة أن ذلك يتمثل في مثال شائع عندما يُقال للمراهق: “ابن عمك فعل كذا”، مما يجعله يشعر بالضغط النفسي.

دكتورة ايمان الريس

وأشارت إلى أن نسبة الهجرة تكون أعلى في المناطق الريفية، وكلما زاد مستوى التعليم وتحسن الوضع الاجتماعي تقل فكرة الهجرة ، والسبب أن الاحتياج المادي في الريف يكون أكبر، رغم قوة الروابط الأسرية، لكن الاحتياج يدفع الشخص إلى اتخاذ قراراته، فعندما يكون الدافع ماديًا يكون قرار الهجرة أكثر إلحاحًا في المدن فاللجوء إلى السفر يكون غالبًا بطريقة شرعية، بينما في المناطق الريفية، حيث معدلات الأمية أعلى يكون الاتجاه نحو الهجرة غير الشرعية أكثر شيوعًا بسبب الضغوط الاقتصادية”.

واستطردت: “تلعب وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في هذه القضية، فالمراهق يرى على منصات مثل “تيك توك” أشخاصًا تمكنوا من تحقيق مستقبلهم بعد السفر، وحصلوا على وظائف ناجحة، بينما يرى أن الفرص في بلده محدودة للغاية ، ولفتت إلى أن الإعلام أيضًا يساهم في تضخيم هذه التجارب بشكل كبير، في حين أن هناك شبابًا نجحوا في بلدهم رغم قلة الإمكانات، لكنهم غير بارزين للمجتمع بالقدر نفسه. ووجهت الريس نصيحة بتوفير بدائل حقيقية للشباب من خلال الإعلام، الأسرة، والاهتمام بالتعليم، وقالت: “لابد من توعية المراهقين وتعزيز إدراكهم بأن النجاح ليس مرتبطًا بالسفر فقط، بل يمكن تحقيقه من خلال تنمية مهاراتهم، وتوفير فرص عمل تناسب إمكاناتهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم” ،وأن يكون هناك اهتمام أكبر بتوفير مجالات جديدة ومتطورة تناسب سوق العمل الحالي، فهناك فرق بين إمكانات الشخص وقدراته، وبين طموحاته وأحلامه، ولابد من توجيه المراهقين نحو ما يناسب قدراتهم وإمكاناتهم.

Back To Top