• تقرير: مريم عمرو – مريم الحسيني – ديبوترا روماني – على احمد
في ظل الحراك المستمر الذي تشهده منظومة التعليم في مصر، تواصل وزارة التربية والتعليم جهودها في تطوير السياسات والمناهج بما يتماشى مع متطلبات العصر وسوق العمل. وبين محاولات التحديث، تبرز تحديات واقعية تعكسها يوميات المدارس، وتجارب الطلاب، وآراء أولياء الأمور، وتطلعات المعلمين.
من التعليم العام إلى الأزهري، ومن الفني إلى التجاري، تتعدد المسارات لكن القاسم المشترك بينها هو السعي لبناء جيل قادر على الإبداع والمنافسة. “تحت السن” تفتح هذا الملف من الداخل، عبر لقاءات حية مع أطراف العملية التعليمية، ترصد من خلالها ما تحقق، وتكشف عن العوائق التي لا تزال تقف في طريق التطوير.
تطوير مستمر
تواصلت «تحت السن» مع مصدر رسمي في أحد الإدارات التعليمية بوزارة التربية والتعليم – رفض ذكر اسمه – وتحدث عن آلية التطوير المستمر للأنظمة التعليمية لتعود بشكل إيجابي على الطلاب.
وقال: “تسعى الوزارة إلى تطوير مناهج التعليم وتعمل كل الجهات المعنية على مساعدة الوزارة فى تحقيق أهدافها، وتطورت مناهج المرحلة الابتدائية بشكل كبير وأصبح بينها ترابط مستمر في القواعد بينها وبين المرحلة الإعدادية”.
وتطرق للحديث عن دور الإدارة التعليمية فى إعانة الوزارة على استكمال عملية التطوير، موضحا أنها تنقسم إلى ثلاث قطاعات، الأول هو «التلميذ» ولتلقيه تعليم بصورة جيدة، يجب ان يجلس في بيئة مناسبة، لذلك تم تقسيم اليوم الدراسي إلى فترتين، صباحي من 8 صباحًا إلى 12 الظهر والمسائية من 12:30 ظهرًا إلي 4:30 ظهرًا.
أما القطاع الثاني هو «المعلم»، وحرصت الوزارة على توفير الفرص والتدريبات له على المناهج الجديدة وتقليل الكثافات داخل الفصول وإتاحة نظام التعيين بالحصة لسد العجز، أما القطاع الثالث هو «ولي الأمر» و لكن أحيانًا نواجه معه مشكلة الإقناع بالأفكار الجديدة كعودة فكرة الفترات الصباحية والمسائية.
تحسين المستوى
وأضاف: “لذلك وفرنا له فرصة نقل ابنه في الفترة المناسبة له كذلك مدرسة مختلفة تابعة لنفس الإدارة التعليمية، وتساعدنا التكنولوجيا على التطوير ومتابعة العملية التعليمية فى المدارس بشكل كبير مثل نظام القرائية وهو نظام نتابع من خلاله الطلاب الضعفاء لتقويتهم على القراءة ولكتابة والعمليات الحسابية بشكل احترافي وتراكمي”.
وعن آلية تحسين مستواهم، تابع: “نقدم لهم امتحانات على قدر مستواهم ويتم تصحيحها إلكترونيًا وبناءًا على النتائج يتم العمل على نقاط الضعف واستغلال نقاط القوة ثم نعود إلى توزيع امتحانات مختلفة على نفس المستوى و تصحيحها مرة أخرى إلكترونيًا لنتابع مستوى تقدم الطالب، وتتم العملية شكل إلكتروني”.
وأوضح: “الوزارة أيضا تساعدنا، مثل خضوع جميع أقسام الإدارات التعليمية لدورات تدريبية بإستمرار تابعة للوزارة، بدءا من الموجه العام للمادة للإداريين مرورًا بالمعلمين حتى إداريين شؤون الطلاب.
وأردف: “نحرص على ألا تفصل الدراسة الطالب عن الحياة أو تعزله عن الواقع، وشمل التطوير أيضا التعليم الفني وهو من ضمن اهتمام الدولة، وتم تطوير بعض المناهج وتطوير المعامل بالمدارس، بالإضافة الى سفر بعض المعلمين لتلقي التدريبات خارج مصر.
أساليب التعليم
تلعب أنظمة وأساليب التعليم دورًا محوريًا في تشكيل شخصية الطالب وتعزيز مهاراته الإبداعية. وفي هذا السياق، تحدثت مارسيل خزام، معلمة الرياضيات بمدرسة ابتدائية وإعدادية تابعة لإدارة شبرا التعليمية، مشيرةً إلى أن التعليم يقوم على ركيزتين أساسيتين: بناء المعرفة وبناء الشخصية.
وأوضحت أن العملية التعليمية تهدف إلى تنمية المهارات إلى جانب تزويد الطلاب بالمعرفة، كما تُسهم في صقل شخصية الطالب وتطوير قدراته على التفكير النقدي وحل المشكلات.

وأضافت خزام: “تتعدد أساليب التعليم بين الفهم والتطبيق من جهة، والحفظ والتلقين من جهة أخرى. فبعض الطلاب قد يميلون إلى الحفظ لسهولة الطريق، لكن التحدي الحقيقي يكمن في تطوير طرق التدريس لجعل المعلومة أكثر سلاسة في الوصول، وتحفيز الطلاب على التفاعل الإيجابي مع المحتوى التعليمي”.
وأكدت أن تطوير المناهج واستخدام الوسائل التعليمية الحديثة أصبحا من السمات البارزة لحركة تحديث التعليم في الآونة الأخيرة، مشيرةً إلى أن التركيز بات منصبًا على تعزيز التفكير النقدي والإبداعي داخل الفصول الدراسية. ومع ذلك، فإن تطبيق هذه الأساليب يختلف من مدرسة إلى أخرى حسب البيئة التعليمية والدعم المتاح.
واختتمت حديثها بالتأكيد على أهمية ربط المحتوى التعليمي بحياة الطالب اليومية، واستخدام الأنشطة التفاعلية التي تضمن مشاركته بشكل فعّال.
التعليم في عيون أصحابه
في قلب أي منظومة تعليمية ناجحة، يظل الطالب هو المحور الأساسي، لذلك كان لا بد أن نقترب أكثر من رؤيته وتجربته مع التعليم، من خلال حوارنا مع الطالب “معتز”، أحد طلاب المرحلة الإعدادية، الذي تحدث عن تجربته الدراسية وما يعنيه التعليم بالنسبة له.
يقول معتز إنه يحب التعليم لما فيه من فائدة وتعلُّم يُعينه في حياته اليومية، ويرى أن مادة العلوم مفيدة جدًا لأنها تساعده على فهم آلية تكوين الأشياء التي يتعامل معها يوميًا، كما يحب اللغة العربية، ويضيف أن أسلوب المعلم وطريقته في الشرح يؤثران في حب الطلاب للمادة، فبعض المعلمين يشجّعون على الإبداع ويشرحون بطرق مبتكرة، بينما يكتفي آخرون بالأسلوب التقليدي.
من ناحية أخرى، لا يكتمل الحديث عن التعليم دون الاستماع إلى صوت ولي الأمر، الشريك الأساسي في هذه الرحلة. ومن هذا المنطلق، تحدثنا إلى السيدة “هناء”، وهي ولية أمر لطالب في المرحلة الإعدادية، تقول السيدة هناء: “اللي يهمني فعلًا إن ابني يفهم ويستوعب المعلومة، مش بس ياخد شهادة أو ينجح وخلاص. للأسف المناهج دلوقتي بقت كثيفة جدًا، وده بيخلي التعليم عبء على الطالب بدل ما يكون متعة. محتاجين توازن بين التعلم النظري والتطبيق العملي، وبين الواجبات والأنشطة اللي تحفزهم.”
بين التخصص والطموح
المرحلة الثانوية، وبالأخص الصف الثالث الثانوي، تمثل منعطفًا حاسمًا في حياة الطلاب، لما لها من تأثير مباشر على مستقبلهم الدراسي والمهني.
وفي هذا السياق، تحدث الطالب مروان محمد، بالصف الثالث الثانوي بمدرسة تابعة لإدارة البساتين التعليمية، عن تجربته مع التعليم الثانوي قائلاً: “تخصص المواد الدراسية ساعدني في التركيز على المواد التي أستطع تحقيق نتائج جيدة بها، أحب الرياضيات وأحقق درجات عالية في الإحصاء، وهو ما شجعني للتفكير في الالتحاق بكلية التجارة”.
ويأمل مروان في أن تكون فترة الامتحانات أكثر تنظيمًا هذا العام، معبّرًا عن مخاوفه من تكرار التجاوزات السابقة: “أتمنى الا تحدث مشاكل كالاعوام السابقة، مثل تسيب اللجان، وانتشار الغش، وسقوط السيستم وضعف الإنترنت، لأنها تسبب ضغط نفسي كبير اثناء الامتحانات”.
وفيما يتعلق بدور أولياء الأمور، تحدثنا مع السيدة زينب يحيى، ولي أمر الطالب مروان، التي عبّرت عن استيائها من تراجع دور المدرسة، قائلة: “كأهالي الطلبة، نعاني من إهمال واضح، لا يستفيدوا من شرح المدرسة واصبحنا مجبرين على اللجوء الى الدروس الخصوصية”.
بين الدين والعلم
على صعيد آخر، يُعد التعليم الأزهري أحد أنماط التعليم الأساسية في مصر، ويستقطب عددًا كبيرًا من الطلاب، وفي هذا الإطار، التقينا بالسيدة لمياء صالح، ولي أمر طالبة بالتعليم الأزهري، والتي تحدثت عن تجربتها واختياراتها التعليمية لأبنائها.
تقول السيدة لمياء: “اخترت أن تلتحق إبنتي بالتعليم الأزهري، وكان هدفي الأساسي هو أن تحفظ القرآن الكريم وتتعمق في فهم دينها بأسلوب علمي ومنهجي. ما يميز هذا النوع من التعليم هو أنه لا يقتصر على الجانب الديني فقط، بل يربط بين ما يتعلمه الطالب في المواد الدراسية والدينية وبين الحياة اليومية، مما يعزز من قدرته على التطبيق العملي في مختلف المواقف”.
أما عن التحديات، فتقول: “من أكبر التحديات التي نواجهها هو حفظ القرآن الكريم، و يلتزم المعهد بخطة حفظ محددة لكل فصل دراسي، ولهذا نحاول الحفاظ على وتيرة المراجعة والحفظ حتى خلال الإجازات، حتى لا يتحول الأمر إلى عبء نفسي على الأطفال”.
وفيما يخص اللغة الإنجليزية، تشير السيدة لمياء إلى أن “مقررات المستوى الرفيع في مادة اللغة الإنجليزية تمثل تحديًا إلى حد ما مقارنة بالمناهج الوزارية، لكننا نحاول التعامل معها بهدوء ومرونة”.
الحاجة لدعم
كذلك يشهد التعليم الفني في مصر إقبالًا متزايدًا بعد الشهادة الإعدادية، لما يوفره من فرص حقيقية للانخراط في سوق العمل، خاصة مع حاجة العديد من القطاعات إلى فنيين مؤهلين بمهارات عصرية.
وفي هذا السياق، أوضح الأستاذ محمد عبد النبي، المدرس بمدرسة الشهيد اللواء ماجد أحمد الصناعية، أن التعليم الصناعي يعتمد حاليًا على نظام الجدارات، الذي يهدف إلى تخريج فنيين ذوي كفاءة عالية، مشيرًا إلى أنه تم تصميم المناهج بناءً على متطلبات سوق العمل، من خلال الجمع بين المعرفة النظرية، والتدريب العملي، والسلوك المهني.

وأكد أن الطالب يتلقى تدريبًا عمليًا ومهنيًا يؤهله للعمل مباشرة، ويختلف التعليم الفني عن التعليم العام بتركيزه على المهارات العملية، مع منح الطالب خيار الالتحاق بسوق العمل أو استكمال الدراسة الجامعية. لكنه أشار أيضًا إلى وجود تحديات، مثل نقص المعدات والخامات، مما يؤثر على جودة التدريب.
وفي جانب الخبرات الميدانية، تحدّث الطالب سيف محمد عن دراسته في قسم “الميكانيكا معادن”، مؤكدًا أن التعليم الفني منحه مهارات عملية تؤهله لسوق العمل، ويطمح إلى افتتاح ورشته الخاصة مستقبلًا.
أما مدير المدرسة، السيد حسين قطب، فأكد أن تطوير أداء المعلمين هو الأساس لتقدم التعليم الفني، مشيرًا إلى أن الأنظمة التقليدية والبيروقراطية تُعيق التطوير، وأن صلاحيات المدير محدودة. ومع ذلك، يرى بوادر إيجابية في توجه الوزارة لربط التعليم الفني بسوق العمل، وخاصة من خلال المدارس التطبيقية التي تُعد نموذجًا ناجحًا يجب تعميمه.
خبرات ميدانية
في قلب منظومة التعليم الفني، تظهر تجارب الطلاب، ومن بينهم الطالب سيف محمد، بمدرسة “الشهيد اللواء ماجد أحمد الثانوية الصناعية بنين”، يحدثنا عن تجربته في قسم “الميكانيكا معادن”
قال سيف: “التعليم بهذا القسم يوفر لي فرصة حقيقية لتعلم مهنة مطلوبة في سوق العمل، خاصة في مجالات تصنيع وتشكيل المعادن. من خلال الورش والمعامل، تعلمت استخدام أدوات وآلات مهمة زي المخارط، والفريز، وآلات اللحام”.
وأضاف: *”المهارات التي اكتسبها حاليًا مفيدة سواء في العمل داخل المصانع أو في ورش.
من جانب آخر، تناول السيد حسين محمد قطب، مدير المدرسة، التحديات التي تواجه التعليم الفني من وجهة نظر إدارية، مشددًا على أن تطوير أداء المعلمين هو حجر الأساس لأي تقدم حقيقي في هذا النوع من التعليم.
وقال قطب: “نعمل في إطار أنظمة تقليدية لا تواكب التطورات الحالية، وهذا يجعلنا نواجه روتين إداري كبير وبيروقراطية تؤخر أي قرار، كمدير لا امتلك الصلاحيات الكافية لتحفيز المعلمين أو محاسبتهم بالشكل الذي يضمن أفضل أداء” مما يجعل التقييم مرتبطًا فقط برغبة المعلم في بذل الجهد.
مسار مهمل
رغم ما يحمله التعليم التجاري في مصر من أهمية بالغة، إلا أنه لا يزال يواجه تحديات متعددة، سواء على مستوى الإمكانيات المتاحة أو في ظل النظرة المجتمعية السائدة التي لا تمنحه التقدير المستحق مقارنة بمسارات التعليم الأخرى.
وفي هذا السياق، تحدثنا إلى الأستاذ عمرو محمد يوسف، مدير مدرسة “عابدين الثانوية التجارية بنين”، الذي أوضح أن النظرة المجتمعية المتدنية لهذا المسار ترجع بالأساس إلى غياب فرص التعليم الجامعي.
وقال: “لطالما ارتبط التعليم العام في أذهان الناس بإمكانية الالتحاق بكليات القمة، بينما كان يُنظر إلى التعليم التجاري على أنه محطة مؤقتة تنتهي بالحصول على شهادة دون مستقبل أكاديمي حقيقي”.
وأشار إلى أن هذه الصورة بدأت تتغير تدريجيًا بعد إدخال نظام المعادلة الذي يتيح لخريجي المدارس التجارية فرصة الالتحاق بكليات التجارة، ما أدى إلى زيادة الإقبال على هذا النوع من التعليم، وإن كان بشكل محدود.
وتابع يوسف: “شهد التعليم التجاري في السنوات الأخيرة تحسنًا ملحوظًا من خلال إدخال تدريبات عملية تساعد في تأهيل الطلاب لسوق العمل، لكن هذا التطوير لا يزال محدودًا نتيجة غياب الدعم الحكومي الكافي”.
ولفت إلى أن الاهتمام الأكبر يُمنح لمدارس التعليم الصناعي، إذ يحصل طلابها على فرص تدريب داخل المصانع والورش منذ السنة الأولى.
ولفهم واقع المعلمين داخل المدارس التجارية، تحدثنا إلى راندا، معلمة في نفس المدرسة، حيث وصفت المشهد اليومي داخل الفصل قائلة: “الوضع يشبه الدوامة التي لا تنتهي. خلال الحصة، قد يقاطعني طالب قائلاً: (يا ميس، خلصي بسرعة… عندي شغل!). كثير من الطلاب يعملون بعد الدراسة بسبب ظروفهم المعيشية، ما يجعلهم غير قادرين على التركيز بشكل كامل”.
وأوضحت أنه من بين 130 طالبًا في صفها، لا يتجاوز عدد المهتمين فعليًا بالحصول على مجموع يمكنهم من دخول امتحان المعادلة 25 طالبًا فقط، مؤكدة أنها تبذل جهدًا دائمًا لتحفيزهم على الاستمرار والنجاح.
أما صوت الطالب، فكان حاضرًا من خلال زياد ياسر، طالب بالصف الثاني الثانوي التجاري، الذي روى لنا تجربته قائلاً: “التحاقي بالتعليم التجاري لم يكن اختيارًا، بل نتيجة لمجموعي في الإعدادية. في البداية كنت محبطًا لأن المجتمع لا يرى فينا إلا الفشل.
واختتم زياد حديثه قائلًا: “هدفي الآن هو إنهاء دراستي والحصول على الشهادة للالتحاق بالجيش، ولا أفكر في التعليم الجامعي”.
