جامعة الطفل.. رؤية جديدة للتعليم تبدأ من الطفولة

الدكتورة نهى الرافعي: مصر أول دولة خارج الاتحاد الأوروبي تطبق هذا النموذج

• حوار: علي أحمد – محمد رجب

كل طفل لديه موهبة تنتظر أن تُكتشف، لكن كيف نجدها؟ وكيف نمنحه الفرصة لتنميتها؟ هنا تأتي “جامعة الطفل”، التي تفتح أبواب الجامعات أمام الصغار، ليس كطلاب تقليديين، بل كمستكشفين لعالم جديد من المعرفة والتجربة.

بعيدًا عن المناهج المعتادة، يجد الأطفال أنفسهم في بيئة أكاديمية تمنحهم الحرية للتجربة، والتعلم، والتفاعل مع مجالات لم يكن لهم أن يقتربوا منها في هذا العمر.

وفي حوار مع د. نهى الرافعي، نائب مدير إدارة المنح والمشروعات، ومنسق جامعة الطفل بجامعة عين شمس، تفتح لنا نافذة على هذا العالم الفريد، حيث تتشكل البدايات الأولى لعقول المستقبل.

ما الفكرة الأساسية وراء تأسيس جامعة الطفل؟ وما الذي يميزها عن التعليم التقليدي؟

جامعة الطفل مشروع تعليمي يهدف إلى تنمية الإبداع لدى الأطفال عبر توفير بيئة تعليمية غير رسمية داخل الجامعات.

وتعد الجامعة إضافة مهمة إلى التعليم الرسمي في المدارس، حيث تمنح الجامعة الأطفال فرصة لاكتشاف مهاراتهم وتنمية مواهبهم من خلال التجربة، والتفاعل مع مجالات متعددة خارج الإطار المدرسي.

المشروع بدأ في أوروبا، وتعد مصر الدولة الوحيدة خارج الاتحاد الأوروبي التي تبنته، ويتم تمويله بالكامل من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويُطبق في أكثر من 40 مؤسسة مصرية، مما يتيح للأطفال فرصة الالتحاق ببرامج أكاديمية متقدمة منذ سن مبكرة.

كيف يتم تسجيل الأطفال في جامعة الطفل؟ وما آلية القبول؟

التسجيل يتم إلكترونيًا عبر الموقع الرسمي لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، كما يتم إعلان مواعيد القبول عبر صفحة “جامعة الطفل” على فيسبوك.

القبول يعتمد على أولوية التقديم من دون الحاجة إلى اجتياز اختبارات، إذ تؤمن الجامعة بمبدأ تكافؤ الفرص لكل الأطفال.

الشرط الأساسي هو أن يكون عمر الطفل تسع سنوات وقت التقديم، ليبدأ الدراسة في الجامعة عند بلوغه العاشرة، ويستمر حتى سن 16 عامًا.

لا تُفرض أي اشتراطات أكاديمية أو قدرات خاصة، بل يتم قبول الأطفال بناءً على توفير الأوراق المطلوبة، مثل شهادة الميلاد، من دون أي تعقيدات أخرى.

كيف تُصمم المناهج؟ وما مدى توافقها مع التعليم المدرسي؟

المناهج التي تُقدم في جامعة الطفل تم تطويرها بالتعاون بين أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا ووزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم، إلى جانب خبراء من الجامعات المصرية، وهي مصممة بحيث تتماشى مع المرحلة العمرية لكل طفل، حيث تبدأ بموضوعات قريبة مما يدرسه الأطفال في المدارس، ثم تتدرج في الصعوبة والتخصص.

الجامعة تقدم مناهج متنوعة تغطي مجالات مثل: الفنون، والبيئة، والتكنولوجيا، والعلوم، والابتكار، مما يضمن تجربة تعليمية متكاملة تمنح الأطفال معرفة تطبيقية، وتساعدهم في استكشاف اهتماماتهم المستقبلية.

ما أبرز المجالات التي يمكن للأطفال دراستها في جامعة الطفل؟

الجامعة تقدم مجموعة واسعة من التخصصات، منها الفنون والتصميم التعبيري بكلية التربية النوعية، حيث يتم تعليم الأطفال أسس الرسم والإبداع البصري.

وفي كلية الدراسات العليا والبحوث البيئية، يتعرفون على قضايا مثل التغيرات المناخية وإعادة التدوير، أما في كلية الآثار، فيكتسبون معرفة حول علم المصريات، وترميم الآثار من خلال تجربة عملية.

وفي كلية الحاسبات والمعلومات، يتعلم الأطفال البرمجة وأساسيات الذكاء الاصطناعي، بينما تقدم كلية العلوم تجارب معملية في الكيمياء والفيزياء، كما يتم تدريبهم على ريادة الأعمال في مركز الابتكار وريادة الأعمال، مما يساعدهم على التفكير الإبداعي وتطوير مشروعات صغيرة.

هل هناك دعم خاص للأطفال الموهوبين؟

نعم، هناك دعم مخصص للأطفال الذين يظهرون تفوقًا أو مهارات استثنائية في مجالات معينة، وعند اكتشاف طفل موهوب، يتم توصيله بأساتذة متخصصين لمساعدته على تطوير مهاراته، سواء في البرمجة، أو الفنون، أو العلوم.

بعض الأطفال يتم ترشيحهم للمشاركة في مسابقات محلية ودولية، وأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا توفر لهم تدريبات متقدمة ودعمًا مستمرًا، كما يشارك الأطفال الموهوبون في فعاليات مثل “كايرو إينوفاتس”، حيث يتمكنون من عرض ابتكاراتهم والحصول على تقدير رسمي لمواهبهم.

هل هناك تعاون بين جامعة الطفل والجهات الدولية؟

الأكاديمية تسعى لربط جامعة الطفل بمؤسسات دولية عالمية، ومصر أول دولة خارج الاتحاد الأوروبي تطبق هذا النموذج، وهناك تواصل مع خبراء عالميين لإثراء المحتوى التعليمي.

على مستوى جامعة عين شمس، لا يوجد تعاون مباشر مع جهات أجنبية، لكن تتم الاستعانة بخبراء محليين لديهم خبرات دولية لتقديم محاضرات وورش عمل للأطفال؛ مما يمنحهم فرصة للتعرف على أساليب تعليمية متقدمة من مختلف أنحاء العالم.

كيف يتم تطوير البرامج التعليمية داخل الجامعة؟

عملية التطوير مستمرة لضمان تحديث المناهج بما يتماشى مع المستجدات العلمية والتكنولوجية، والأكاديمية تعمل على مراجعة البرامج بشكل دوري، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي وعلوم الحاسب، لضمان توافقها مع أحدث التطورات، إضافةً إلى ذلك، يتم إدخال تخصصات جديدة بناءً على احتياجات الأطفال واهتماماتهم، مثل برامج الرعاية الصحية والطوارئ بكلية التمريض، وبرامج الإعلام والتصوير الصحفي بكلية الإعلام، مما يوسع دائرة المعرفة للأطفال ويساعدهم في استكشاف مجالات مختلفة.

هل تواجه الجامعة أي تحديات في تنفيذ المشروع؟

التحدي الأكبر هو الإقبال الكبير على التسجيل، حيث تتزايد أعداد المتقدمين سنويًا، مما يجعل من الصعب استيعاب الجميع.

ولحل هذه المشكلة، تسعى الأكاديمية لضم جامعات ومؤسسات تعليمية جديدة كل عام لتستوعب أعداد الأطفال.

وهناك أيضًا تحديات تتعلق بضرورة التزام الأطفال بالحضور، واستيفاء عدد معين من الساعات، لكن الجامعة تعمل على توفير حلول مرنة لضمان حصول الأطفال على أقصى استفادة ممكنة.

هل هناك قصص نجاح لأطفال استفادوا من الدراسة في جامعة الطفل؟

بالطبع، من أبرز قصص النجاح التي حققها أطفال جامعة الطفل في جامعة عين شمس، مشاركتهم في مسابقة نظّمها مركز سميثسونيان للتعليم العلمي خلال فعاليات مؤتمر الأطراف 27COP في شرم الشيخ. كّون الطالب فريقًا أطلقوا عليه اسم ) سفراء المناخ المصريين الصغار)، وقدموا فيديو توعوي عن أنشطتهم ومبادراتهم البيئية، والتي شملت حملات لنشر الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة ومواجهة التغيرات المناخية. وقد فاز هذا الفيديو بالمركز الأول في المسابقة.

يمكننا القول إن جميع الأطفال الذين يشاركون في برنامج جامعة الطفل بجامعة عين شمس يكتسبون خبرات ومهارات ومعارف متعددة تساعدهم في تحديد توجهاتهم المستقبلية.

ما نصيحتك للأطفال وأولياء الأمور الراغبين في الالتحاق بجامعة الطفل؟

نصيحتي للأطفال أن يكون لديهم فضول دائم للتعلم والاستكشاف، وألا يقتصروا على ما يتعلمونه في المدرسة، وجامعة الطفل تمنحهم فرصة فريدة لاكتشاف مواهبهم وتنميتها، لذا يجب أن يستغلوا هذه التجربة بأقصى قدر ممكن.

أما لأولياء الأمور، فأؤكد على أهمية عدم تقييد إبداع أطفالهم أو إجبارهم على تخصصات معينة، بل يجب دعمهم وتشجيعهم على استكشاف المجالات التي تثير اهتمامهم.

والتعلم لا يقتصر على الفصول الدراسية، بل يمتد إلى التجارب العملية والأنشطة المختلفة التي تساعد الأطفال على بناء شخصياتهم وتحقيق نجاحهم في المستقبل.

Back To Top