المراهقون يصنعون الفارق: ابتكارات علمية من قلب المدارس المصرية

• تقرير: فرحة محمد _ جني وليد _ دنيا خالد

في زمن يتسابق فيه العالم نحو آفاق جديدة من التقدم العلمي والتكنولوجي، تبرز طاقات المراهقين كمصدرٍ حقيقي للإبداع. لم يعودوا مجرد متلقين للمعرفة داخل الفصول الدراسية، بل صناع أفكار، قادرون على تحويل شغفهم بالعلم إلى إنجازات ملموسة. ومن داخل مدرسة “نور” الخاصة، بزغت تجربة ملهمة لمجموعة من الطلاب الذين شاركوا في مسابقة الروبوتات الدولية لعام 2023 في العاصمة الصينية بكين، وأثبتوا أن الحلم العلمي يمكن أن يبدأ في سنٍ صغيرة، وينطلق إلى منصات التتويج العالمية.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها المدرسة في المسابقة، فقد خاضت المنافسة في عام 2022 وحققت مراكز متقدمة على مستوى الجمهورية، لكن ما حدث في عام 2023 كان أكثر طموحًا وعمقًا. أربعة فرق طلابية، كل منها يحمل مشروعًا متكاملًا وفكرة مبتكرة. الفريق الأول قدّم مشروع “خط التقدم”، الذي اعتمد على برمجة روبوت يتتبع خطًا مرسومًا دون أن يخرج عنه، وبسرعة دقيقة ومحددة. الفريق الثاني عمل على مشروع “نظام الزراعة المائية التكاملية”، الذي يجمع بين زراعة النباتات وتربية الأسماك، بحيث تُستخدم فضلات الأسماك كأسمدة طبيعية في دورة بيئية متكاملة، مما يعزز الاستدامة ويوفر استهلاك المياه. الفريق الثالث قدّم نظامًا يعتمد على الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء وتشغيل منشآت صغيرة كمحال أو منازل، في ظل الحاجة المتزايدة لمصادر طاقة نظيفة.

التحديات والإنجازات

أما المشروع الرابع فكان الأبرز والأكثر تعقيدًا: “الذراع الحيوية” أو الذراع الإلكترونية الذكية، المخصصة لفاقدي الأطراف. اعتمد المشروع على تحليل الإشارات العصبية الصادرة من عضلات الذراع، ثم ترجمتها إلى أوامر حركية تنفذها اليد الاصطناعية. وقد استخدم الفريق في تصميمه تقنيات الذكاء الاصطناعي الصديق للبيئة “الذكاء الاصطناعي الأخضر”، ليصنع نموذجًا أوليًا قادرًا على تنفيذ حركات بسيطة مثل فتح اليد وغلقها، ثم تطوّر لاحقًا لأداء حركات أكثر تعقيدًا كعلامة النصر أو الإعجاب

تقول منار محمد السيد، المشرف العام على الفرق المشاركة، إن العمل على الذراع واجه تحديات تقنية كبيرة، أبرزها صعوبة قراءة الإشارات العصبية بدقة، مما اضطر الفريق إلى التعاون مع خبراء من كليات الطب والهندسة والحاسبات. كما واجه مشروع “نظام الزراعة المائية التكاملية” مشكلات تتعلق بتنقية المياه، واختيار أنواع الأسماك المناسبة للبيئة الزراعية.

رحلة الابتكار العلمي

في قلب هذا المشروع كان هناك اسم بارز: مراهقون قادوا الفريق في تصميم الذراع الذكية. منذ بداية الفكرة، قضوا أكثر من شهرين في البحث وجمع البيانات، تتنقّل بين المقالات العلمية، وتتواصل مع أطباء ومهندسين لضمان دقة التصميم وتناسق حركة اليد مع الإشارات العصبية القادمة من المخ. يقول أحد المشاركين: “لم يكن الأمر سهلًا. كنا نشعر بالقلق طوال الوقت، خاصة في مرحلة التجريب، لكننا في النهاية تعلّمنا أن كل خطوة صغيرة تقود إلى إنجاز أكبر”.

لم يتوقف تأثير التجربة عند الجانب العلمي فقط. فقد غيّرت هذه المشاركة الكثير في شخصياتهم؛ أصبحوا أكثر تنظيمًا، قادرين على التوازن بين الدراسة والرياضة والعمل على المشروع، وبدأوا يوثقون خطوات العمل بطريقة علمية منظمة. يقول أحدهم: “أدركنا أن النجاح لا يعني فقط الوصول إلى الهدف، بل يعني خوض التحديات والاستمرار رغم القلق”.

وكان للمدرسة دور كبير في دعم هذه التجربة، من خلال توفير معمل مجهّز بأحدث الأجهزة، وتعديل جداول الامتحانات، وتعويض الحصص الدراسية التي فاتت الطلاب المشاركين، ما سمح لهم بالتركيز على مشاريعهم دون الإخلال بمستواهم الأكاديمي.

الطالبة مريم محمد فتحي الفائزة بالمركز الأول في مسابقة الروبوتات

تؤكد المجموعة في ختام حديثهم أن الرحلة، بما فيها من توتر ومحاولات فاشلة وتجارب متكررة، كانت أجمل ما في الإنجاز. ويختمون قائلين: “المتعة ليست في لحظة الفوز، بل في كل خطوة خضناها لنصل إليه. وإذا كان لديك حلم، لا تتردد.. ابدأ، والله سيفتح لك الطريق”.

هذه التجربة ليست مجرد مشاركة طلابية، بل نموذج لما يمكن أن يقدّمه المراهقون إذا آمنّا بأحلامهم، ووفّرنا لهم بيئة داعمة. إنها دعوة للاستثمار الحقيقي في عقول الشباب، لأن المستقبل يبدأ من هنا.

Back To Top