• تحقيق: منة الله أحمد – ديبوترا روماني – علي أحمد – محمد رجب
انتشر في الآونة الأخيرة الكثير من تطبيقات المراهنات الإلكترونية، والتي رغم مخاطرها على الشباب والمراهقين ألا أنه لم يتم حظرها حتى الآن في مصر، إذ تسببت في سوء الحالة النفسية للاعبيها ووصل الأمر للانتحار أو الإقدام على سرقة المال، ورغم وجود تشريعات قانونية لمواجهة “القمار” إلا أن المراهنات الإلكترونية رغم أنها تندرج ضمن فئة “القمار” إلا أنه لم يصدر المشرع المصري أي قوانين لتجريمها حتى الآن، في هذا التحقيق نرصد الظاهرة، والدوافع وراء الإقدام على المراهنات الإلكترونية وسبب عدم وجود طرق لمواجهتها.
“اللعبة دي بتخرب بيوت” بهذه الكلمات عبر محمد رفعت صاحب الـ 16 عاماً عن تجربته بألعاب المراهنات من فئة المراهقين، وأوضح في تصريحات خاصة أنه بدأ اللعب بدافع الفضول بعد رؤيتها مع أصدقاءه ومعارفه.
وتابع: “كنت أشاهدهم يلعبوا و يربحوا و لكن في النهاية يخسروا كل ما ربحوه، أردت أن أجرب بنفسي و بالفعل ربحت وحصلت على المال”.
حاول خوض تجارب أكثر عمقا عبر تطبيقات أخرى، لكنه لم يستطع تجربتها بسبب صعوبة استخدامها، موضحاً أن المبلغ الذي حصل عليه كان 2500 جنيهاً، واستكمل: “شعرت لاحقاً أنه مال حرام خاصة أن هاتفي لم يعمل بعدها وكان بحاجة إلى صيانة، ولم أكرر التجربة”.
وعن آلية اللعب، أوضح أن اللعبة تدفع للاعبين مال لتجربتها طوال الوقت و إدمانها، وإذا ربح اللاعب في مرة مبلغ 20 ألف جنيه يستخدم هذا المبلغ تلقائيا للعب مرة أخرى و بالتالي يخسره. مما يدفعه للعب مرة أخرى لإسترداد ما خسره ويظل عالقاً بهذا الشكل في هذه الحلقة اللانهائية.
وأوضح أن هناك فئة من اللاعبين يعتمدون مادياً على هذه البرامج بشكل أساسي، ذاكراً أن هناك شخص من دائرة معارفه كان يلعب بشكل مستمر و يربح مبالغ كبيرة، ثم تعرض لخسارات متكررة، مما دفعه لتعريض نفسه للأذى و أُصيب بحاله نفسيه جعلت شعره يقع بشكل مخيف.
متعة أم مخاطرة؟
وعلى حد وصفه فإن المراهنات المجانية تكون وسيلة للترفيه فقط، ولا يوجد فيها خسارة أو مكسب حقيقي، أما المراهنات المدفوعة فتكون أكثر جدية، وفسر ذلك: “لأنك تستخدم أموالك الحقيقية، مما يجعلك تفكر جيدًا قبل اتخاذ أي قرار، لأن المخاطرة تكون أكبر، وهناك ضغط نفسي للفوز”.
لكن رغم ذلك فان الأرباح لا يمكن الاعتماد عليها كمصدر دخل إذ تتراوح من 1 إلى 1000 دولار، حسب قيمة الباقة التي أبيعها. وأضاف: “ليس لدي وقت ثابت للعب، أحيانا أنجز المهام خلال يومين أو ثلاثة وأتوقف عن اللعب، وأحيانًا ألعب بشكل متقطع حسب المزاج، لا أشعر بالالتزام اليومي تجاه اللعبة”.
واستكمل: “لا يوجد سبب معين قد يدفعني إلى التوقف عن اللعب. ربما أشعر بالإحباط إذا خسرت كثيرًا، لكن هذا لا يعني أنني سأترك اللعبة نهائيًا، خاصة أنني أستلم الباقة بشكل أسبوعي، مما يجعل التجربة مستمرة دون خسائر كبيرة”.
و شرح “م.م” ماهية المراهنات المجانية قائلاً: “اشتريت “البرايم” لأنه يمنحني أسبوعيا باقة يمكنني فتحها أو بيعها، كما أن المزايا تستحق مبلغ ١٠ دولار قيمتها، خاصة أنني أحتاجه للعب في نمط “الرانكد” وأوضاع أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يتم شراؤه مرة واحدة فقط، ولا يحتاج إلى تجديد.
وأردف: “بالرغم من أنني جربت اللعب بدون شراء “البرايم” لم أجد الأمر ممتعًا بالنسبة لي. لذا قررت شراءه، وأفضل بيع “الباكدج” بدلاً من فتحها لأنني عندما أحصل عليها يكون لدي خيار بين أربع مكافآت أسبوعية بمجرد إتمام المهام المطلوبة، عادةً، أختار الباكدج لأنها الأكثر قيمة عند البيع، لكن فتحها يتطلب شراء مفتاح خاص، وهذا يكلف مالًا إضافيًا وأنا لا أرغب في المخاطرة بمحتوياتها”.
المراهنات مُحرَمة
يتصدى مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، للمراهنات الإلكترونية وأصدر فتوى مفادها أن المراهنات التي يجريها المشاركون على مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات المختلفة، ويدفعون أموالًا في حساباتها، ثم يأخذ هذه الأموال الفائز منهم فقط، ويخسر الباقون؛ لهي عين القمار المحرم.
لكن هل يوجد فرق بين المراهنات المجانية و المدفوعة في الحكم الشرعي؟
في تصريحات خاصة، أكد الشيخ “محمد إبراهيم” أحد مشايخ هيئة الأزهر الشريف أن جميع هذه الألعاب تُعدّ حراماً، سواء دفع اللاعب أموالاً أم لم يدفع، لأن هذا النوع من الربح لا يستند إلى عمل مشروع أو جهد حقيقي.
وأوضح: “أن الرهان على اللاعبين حرام، كذلك نوع الرهان الآخر، وهو أن يراهن الشخص دون دفع أموال مباشرة، عبر دفع ما يُعرف بـ “الكوينز” داخل اللعبة. وهذا أيضاً نوع من أنواع المراهنات المحرّمة” مستشهدا بقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ” (المائدة: 90). والميسر يشمل كل أشكال المراهنات، سواء كانت بمبالغ مالية مباشرة أو بطرق غير مباشرة.
القواعد الشرعية
من جانبه تحدث د. محمد عبدالمالك استاذ التفسير وعلوم القرآن ونائب رئيس جامعه الازهر للوجه القبلي، عن رأيه عن أنواع المراهنات و أشكالها حديثا.
وقال: “المراهنات مستحدث لم تكن موجودة من قبل، لكن يتم تحديد قياسها وفقا لأمور مشابهة كانت معروفة سابقًا. رغم ظهورها مع التكنولوجيا لكن اجتهد العلماء في دراستها وفقا لنظائرها الفقهية التي تحمل نفس المعنى أو الأثر، ومن هنا جاءت الفتاوى المتعلقة بها”.
وجه د. عبد المالك رسالة للشباب، قائلاً: “الحقيقة أنني أفضّل أن يستغل الشباب فترة قوتهم ونشاطهم في أمور أكثر نفعًا، مثل العمل والإنتاج والابتكار، بدلًا من الانشغال بالمراهنات التي تحيط بها شبهات كثيرة. فمن اجتنب الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، كما قال النبي ﷺ”.

واستكمل: “تدعم الكثير من المبادرات الشباب في ريادة الأعمال والابتكار، مثل حاضنات الأعمال في الجامعات وورش العمل التي تتيح لهم فرصة لبناء مستقبل مهني”.
وأكد على أن الأمر يحتاج إلى توعية مكثفة من خلال الندوات والمحاضرات ووسائل الإعلام المختلفة، لتوضيح مخاطر هذه الألعاب وآثارها السلبية على الأفراد والمجتمع. مع دور للأسرة والمؤسسات التعليمية في توجيه الشباب نحو استغلال وقتهم فيما يفيدهم”.
تشريعات قانونية
رغم جهود المشرع المصري في حل مشكلة القمار والسماح بالرهانات في الفنادق والكيانات السياحية بعد موافقة وزارة السياحة، ولغير المصريين فقط. إلا أن حتى الآن لا يوجد تشريع محدد لمواجهتها، وفي هذا الصدد تحدثنا مع عبدون فوزي المستشار القانوني.
وقال: “حتى هذه اللحظة، لم تتقدم الحكومة بمشروع قانون لمعالجة هذه المشكلة. هناك بعض المحاولات الفردية من أعضاء البرلمان الذين طرحوا مشاريع قوانين، لكن الإجراءات التشريعية تتطلب وقتًا. فالقانون المقترح يحتاج لموافقة البرلمان، ثم يُحال إلى اللجنة التشريعية، ثم تُراجع مواده بشكل كامل قبل إقراره”.

و أكد فوزي أن القانون يعتبر أداة ردع فعّالة. موضحا: “إذا شعر الأفراد بوجود عقوبات واضحة ومحددة للجرائم المتعلقة بالمراهنات أو المقامرة، سواء كانوا مستخدمين للمواقع أو ممارسي اللعبة أو حتى مشغلي المواقع، فإن هذا الرادع سيجعلهم يتراجعون عن الفعل. و بالطبع، هناك فرق في كيفية التعامل مع الأحداث.
وأشار إلى أنه في القانون، يُعتبر السن هو العامل الفاصل في تحديد المحكمة التي يُحاكم أمامها الشخص، حيث إذا كان أقل من 18 عامًا، يتم تحويله إلى محكمة الأحداث، وإذا كان أكبر من 18 عامًا، فإنه يُحاكم أمام القاضي الطبيعي.
وتابع المستشار عبدون: “لو افترضنا أن شخصًا ربح مبلغًا كبيرًا من المراهنات، لن يستطيع الشخص وضعه في البنك، لأن البنك سيسأله عن مصدر هذه الأموال. وجميع البنوك تحتوي على وحدة مختصة بغسيل الأموال، وهذه الوحدة تُشكل بقرار من رئيس الجمهورية. دور هذه الوحدة هو مراقبة الحركة المالية داخل البنوك لضمان عدم دخول أموال غير نظيفة أو ناتجة عن غسيل الأموال إلى النظام المصرفي “.
أما بالنسبة للحالة المعاكسة، في حالة المراهق الذي خسر أمواله و يريد مقاضاة الشركة ، فقد أكد أن الشركات التي تُشغّل هذه المواقع ليس لها كيانات فعلية في مصر، وبالتالي لا يمكن الوصول إليها على أرض الواقع أو مقاضاتها. بالإضافة إلى ذلك، المراهق كقاصر ليس له صفة قانونية لرفع دعوى بنفسه.
مكافحة الجريمة
لكن السؤال هنا هو مع من ستتعامل؟ الشركات التي تدير هذه المواقع غالبًا ما تكون مجهولة الهوية وتعمل من خارج البلاد، مما يزيد من صعوبة اتخاذ أي إجراء قانوني ضدها واستعادة الأموال المفقودة.
و استطرد قائلاً: من وجهة نظري، إذا عرفت اليوم أن هناك موقعًا معينًا يُستخدم في ممارسة القمار والمراهنات، فإن اليد العليا يجب أن تكون لوزارة الاتصالات وجهاز تنظيم الاتصالات لغلق هذا الموقع.
ويشترك معها في دورها وزارة الشباب، وزارة التضامن الاجتماعي، وزارة التربية والتعليم، ووزارة الداخلية. وحتى الآن، لم يتم إصدار قانون يحدد مسؤوليات هذه الوزارات.
أما بالنسبة لحل المشكلة، أكد المستشار القانوني أن حل المشكلة يحتاج إلى إصدار قانون واضح ومحدد يتضمن لائحة تنفيذية تشرح كيفية تطبيقه على أرض الواقع.
خطر اقتصادي!
من جانبه أكد الخبير الاقتصادي خالد الشافعي أن المراهنات أخطر من أن يقتصر تأثيرها على الاقتصاد، قائلاً: “المشكلة أيضا اجتماعية وثقافية. بسبب غياب المبادئ والقيم والثقافة، ما يجعل الشباب يسعى لتحقيق أكبر مكسب بأسرع وسيلة ممكنة دون جهد أو تعب”.
وأضاف: “يرى بعض المراهقين أن المراهنات وسيلة لتحقيق الاستقلال المالي وتلبية احتياجاتهم، حتى لو كانت احتياجات غير ضرورية أو ضارة، المشكلة هنا أنهم يستسهلون الحصول على المال بهذه الطريقة”.
وكما أوضح، تسهم المراهنات أيضا في تكوين جيل أكثر استهلاكًا وأقل إنتاجية، فالمراهنات تعزز الفكر الاستهلاكي لأنها تعتمد على الكسب السريع دون جهد أو إنتاج. بالإضافة إلى فقدان القدرة على الإبداع والتفكير والعمل الحقيقي، والاعتياد على الربح السريع.
وأردف: “نشأة الشباب على المراهنات سيؤدي إلى غيابهم عن سوق العمل والإنتاج الحقيقي، مما سيعمل على تراجع النمو الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة والفقر، وشركات المراهنات لا تهدف فقط إلى الربح، بل تعمل أحيانا على تفريغ الشباب من الفكر والإبداع والانتماء”.
و نصح الخبير الاقتصادي الشباب بالاتجاه إلى البدائل المشروعة التي يمكن أن يتجه إليها الشباب. مثل الاستثمار في البورصة بمبالغ صغيرة والتعلم التدريجي لتحقيق مكاسب على المدى الطويل. كما يمكنهم ادخار جزء من مصروفهم واستثماره في الذهب أو شهادات الاستثمار.
دوافع نفسية
لا ينضم المراهقين إلى المراهنات الإلكترونية بهدف الربح فقط، وتفسر فاطمة هشام الاخصائية النفسية معرفة الدوافع والتأثيرات النفسية التي يمر بها المراهق أثناء هذه التجربة.
وبدأت حديثها، وقالت: “كل فئة يتم استهدافها بطريقة مختلفة. عندما مخاطبة شخصًا بالغًا، تُقدَم الفكرة لهم على أنها مصدر دخل إضافي بجانب العمل، أما المراهق، فيتم استهدافه من خلال فكرة المغامرة والمخاطرة والربح السريع”.
أما بالنسبة للدوافع فأشارت إلى أن المراهقة تعد مرحلة اندفاع وتجربة، ويتحمس الشباب لاكتشاف أشياء جديدة، خاصة تلك التي يشعرون بأنها “ممنوعة” أو غير مقبولة اجتماعيًا.وهذا ما يدفعه إلى تجربة أشياء بها قدر من المخاطرة والمغامرة.
وعددت الأسباب النفسية الأخرى، وقالت: “يخوض بعض المراهقين الرهانات الإلكترونية بهدف كسب المال، لكنها في النهاية تصيبهم تؤدي إلى ضغط نفسي هائل، يبدأ بالتوتر، ثم يصل إلى الاكتئاب، وقد ينتهي بأفكار انتحارية”.
أما عن الدوافع النفسية التي تجعل المراهق يدمن هذه الألعاب،أكدت أن هذه الألعاب تؤثر على الدماغ مثل الإدمان تمامًا. عندما يلعب المراهق ويبدأ في الفوز، يشعر بإثارة ومتعة، مما يجعله يرغب في الاستمرار. لكن عندما يخسر، يشعر بإحباط شديد، بالإضافة إلى عامل الإثارة”.
و استكملت : في حال خسر المراهق أمواله، رد فعله سوف يعتمد على شخصيته وظروفه الاجتماعية والاقتصادية. هناك من قد يلجأ للاستدانة من أصدقائه أو أقاربه، وهناك من قد يسرق من أهله أو من أصدقائه، وقد يتطور الأمر إلى السرقة العامة. البعض قد يقع في جرائم دون قصد.
على الجانب الآخر، هناك من يمتلك صلابة نفسية تجعله يتجاوز الأمر بسهولة، أو من يواجه أهله ويطلب مساعدتهم. كل شخص يتصرف بناءً على تربيته، ومدى قدرته على التعامل مع الأزمات.
نصائح للأسرة
ونصحت الاخصائية النفسية، الأسرة بأن أفضل طريقة لحماية ابنائهم من هذه المخاطر،هي تحقيق التوازن بين “المراقبة” و”الصداقة”.
وطالبت الأهل بالتعامل بحكمة مع الأخطاء. مثلًا، إذا اكتشفوا أن ابنهم يدخن، فإن الصراخ والعقاب لن يفيد، بل سيجعله أكثر تمردًا. الأفضل هو الحديث معه بهدوء لفهم السبب وراء تصرفه، ثم توجيهه بطريقة غير مباشرة.
وعن الوقت المناسب لتدخل الأخصائي النفسي أو التربوي في المدارس، فقالت: “لأخصائي النفسي في المدرسة يجب أن يكسب ثقة الطلاب أولًا، لأنهم لن يستمعوا لنصائحه إذا لم يشعروا بأنه يفهمهم. عندما ينجح في بناء علاقة جيدة معهم، يمكنه تقديم التوعية من خلال ندوات وحملات بأسلوب شيق.
واختتمت حديثها بضرورة توفير أنشطة بديلة للمراهقين، مثل الرياضة، المسرح، أو الأنشطة التطوعية، واستطرت: “دور الأخصائي لا يقتصر على تقديم النصائح، بل يشمل أيضاً توفير بدائل تشغل وقت المراهقين، وإيجاد اهتمامات أخرى تُشبع رغبتهم في التحدي والمغامرة، ولكن بطريقة إيجابية وآمنة”.
