عالم افتراضي ولكن بثمن يدفعه المراهقون

الشيخ أحمد داوود:”النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل“

• تحقيق: شيماء عبدالباقي –  وسام محمد – مارتينا فليمون

بين إضاءة الشاشات و إلحاح الإشعارات الرقمية، يجد المراهقون أنفسهم منجذبين نحو عوالم افتراضية تعيد تشكيل واقعهم وتصوراتهم.التكنولوجيا، التي لطالما وُعدنا بأنها جسر نحو التقدم والاتصال، باتت في نظر الكثيرين سياجًا رقميًا يحيط بهذا الجيل، يفصلهم تدريجيًا عن دفء العلاقات الإنسانية الحقيقة، ويغرقهم في دوامة من الإدمان، والعزلة الاجتماعية، و الضغوط النفسية المتزايدة.

يثير هذا التحول العميق تساؤلات ملحة: كيف يمكن لمحادثات افتراضية عابرة أن تحل محل عمق التواصل الإنساني الصادق؟ وكيف يمكن لصور مُنمقة ومعدلة أن تصبح معيارًا زائفًا للجمال، يؤثر علي ثقة المراهقين بأنفسهم؟ ومع ازدياد وطأة هذا التعلق بالأجهزة الرقمية، تلوح في الأفق مؤشرات خطيرة تنذر بعواقب وخيمة علي صحتهم النفسية و الاجتماعية، بدءًا من اضطرابات النوم وفقدان التركيز، و وصولًا إلي تدهور العلاقات الأسرية و الاجتماعية، وحتي تهديد استقرار هويتهم الذاتية.

في هذا التحقيق، نتعمق في عالم المراهقين الرقمي، نستطلع آراءهم و مخاوفهم، ونستمع إلي أصوات الخبراء من علماء الاجتماع، و الأطباء النفسيين ورجال الدين، سعيًا لفهم أبعاد هذه الظاهرة و تحديد الثمن الحقيقي الذي يدفعه جيل “ألفا” في مقابل الانغماس في هذا العالم الافتراضي الآسر. .

عقدة جيل بأكمله

استطلع محررّو مجلة “تحت السن” آراء مجموعة من المراهقين (تتراوح أعمارهم بين 12و 17عامًا) حول استخدامهم للتكنولوجيا. بدا أن غالبيتهم يتفقون علي أن حياتهم تفقد معناها بدون هواتهم المحمولة و الإنترنت. و أكدوا أن استخدامهم لتطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل ” Chat GPT” يسهل عليهم جوانب عديدة في حياتهم، بدءًا من إعداد الأبحاث المدرسية، ووصولًا إلي الترفيه عن أنفسهم في أوقات الفراغ، وحتي التواصل أثناء الخلافات مع الأصدقاء.

و أضافت إحدي الفتيات أن منصات التواصل الأجتماعي مثل”تيك توك” و “إنستجرام ” تمثل لها مرآة تعكس الواقع، و أن حياتها ستكون بلا قيمة بدونها. و اختتم أحد الشباب حديثه بالإشارة إلي أن التكنولوجيا سهّلت عليه الكثير، فهي تتيح له العمل من المنزل و التواصل مع أخيه المغترب، مؤكدًا أن التكنولوجيا ببساطة هي “الحياة” بالنسبة لهم.

عزله غير مبررة

تحدّثت إلينا السيدة رانيا غطاس، والدة مراهق يعاني من إدمان التكنولوجيا، معبّرةً عن معاناتها من انعزاله الدائم وعدم اندماجه مع أسرته. لقد أصبح غريبًا وسطهم، وكأن عالمه الوحيد هو شاشة هاتفه، حتى بات ما يمنحه الشعور بالأمان ليس سوى شحن باقة الإنترنت. ولكن ماذا بعد؟

وأضافت أن عزلة ابنها لم تقتصر على الانسحاب الاجتماعي، بل انعكست أيضًا على سلوكه، فأصبح أكثر عنفًا في التعامل معهم. ورغم ذلك، تحاول احتواءه وتقديم الدعم له، آمله أن تجد الطريقة المناسبة لمساعدته على استعادة توازنه والعودة إلى محيطه الأسري.

وعلى الجانب الآخر، تحدّثت إلينا السيدة كرستين عوني، مؤكدةً أن لكل قاعدة استثناء، فليس جميع المراهقين يعانون من آثار سلبية لاستخدام التكنولوجيا. وأوضحت أن أبناءها يستخدمون الإنترنت بطريقة إيجابية تعزز من تحصيلهم الدراسي وتوسّع مداركهم، بل أصبح وسيلة تحفيز لهم، تدفعهم إلى البحث والتعلّم والتطور المستمر.

وترى أن التكنولوجيا، إذا  أُحسن توظيفها، قد تكون عاملًا مساعدًا في بناء الشخصية وتنمية القدرات، لا أداةً للعزلة والانفصال عن الواقع. لذا، تحرص على توجيه أبنائها لاستخدامها بوعي، حتى تبقى وسيلة للنمو والتقدم، لا عائقًا أمام حياتهم الاجتماعية والأسرية.

في حين صرح الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا بالنسبة المراهقين يؤدي إلي تقليل التفاعل الاسري و الترابط فيما بينهم ، كما انهم يفضلون العزلة مقابل الاتصال لأن تفاعلهم باستخدام التكنولوجيا يحل محل تفاعلاتهم الشخصية ، وأكد علي أن القاء اللوم علي المراهقين فيما يتعلق بإدمانهم للتكنولوجيا امر معقد و متعدد الاوجه كما وجه النصيحة للإباء و المعلمين قائلًا أن معالجه إدمانهم للتكنولوجيا يتطلب جهد تعاوني بينهم لخلق بيئات أكثر صحه للشباب و يجب سد الفجوة بين المراهقين والاهالي لأن ذلك من شأنه يعزز التواصل والتفاهم فيما بينهم

الدكتور سعيد صادق،استاذ علم الأجتماع بالجامعه الامريكيه

حسب استخدامك لها

بالتواصل مع نور حسن صانع المحتوي الذي يخص بمحتواه فئه المراهقين، أوضح أن التكنولوجيا ساعدته في كل شيء تقريبًا من تحسين جوده الصور والفيديوهات التي يشاركها مع جمهوره، و ايضًا تساعده في تحقيق العديد من الانجازات فمن خلال استخدامه للتكنولوجيا طور العديد من المهارات التي يملكها كالتصوير وكتابه المحتوي بمتابعته بعض الكورسات التي تقدم مجانًا علي بعض المنصات مثل “يوتيوب”، و أكمل حديثه قائلًا أن استخدام للذكاء الاصطناعي و الaiعمومًا، اعفاه من التعرض للمسائلة القانونية التي من الممكن أن يتعرض لها باقتباس اسماء الحلقات التي يقدمها من صانع محتوي اخر حتي و لو كان بغير قصد، “Chat gpt”ساعده في تقديم بعض المقترحات لأسماء الحلقات و الاسكربتات التي يكتبها

صانع المحتوي نور حسن

مضيفًا علي ذلك بإن التكنولوجيا هي التي فتحت له الطريق للحصول علي عدة جوائز فمن خلالها حصل علي لقب سفير السياحة لكوريه الجنوبية، وسفير للترويج بمصر في عام 2024 وتم اختياره بترشيح من سفارة كوريه الجنوبية، موضحًا أن المراهقين هم الفئة الأكثر تأثرًا باستخدام التكنولوجيا، ولذلك ينبغي عليهم استغلالها في التعلم من خلال منصات التواصل الاجتماعي. فهناك العديد من معلمي المرحلة الثانوية الذين يقدمون دروسًا مجانية عبر موقع يوتيوب ومنصات أخرى، مما يتيح لهم فرصة الاستفادة من المحتوى التعليمي بسهولة. كما يجب عليهم استغلال أوقاتهم في القراءة وممارسة الرياضة، “لان العقل بلا معرفة كالجسد بلا حركة، كلاهما يذبل إن لم يُستخدم”

و اثناء حديثنا مع م . ن هكر لبعض الصفحات الرسمية و العامة، قائلًا أنه بدأ كل شيء  في فبراير 2023 … لم يكن الأمر سوى تجربة، مجرد فضول دفعني لاكتشاف هذا العالم الخفي. لكن مع الوقت، أدركت أن ما بين يديّ ليس مجرد مهارة، بل وسيلة يمكن أن تدر دخلًا كبيرًا. لم أكن وحدي، نحن كثيرون، أكثر مما تتخيلي، تجمعنا المعرفة والهدف، ونعرف بعضنا جيدًا ولم يعمل معًا أحدًا غريب السوق مفتوح، والطلب لا يتوقف، كل يوم هناك من يحتاج إلى حساب معين، وكل حساب له ثمنه، قد يبدأ من 50 دولارًا ويصل إلى 800 دولار، حسب قيمته وأهميته. و لا شيء يتم بعشوائية، قائلًا “نحن نعرف جيدًا أي الحسابات التي يمكن الوصول إليها بسهولة”. و لا نعتمد على برنامج محدد، لكن أدوات مثل N*J*t تفي بالغرض.

أما الطريقة بسيطة، لكنها فعالة،  نستخدم الروابط المخادعة، أو نزرع ثغرات داخل التطبيقات. تخيل مثلًا شخص يبحث عن تطبيق معين على جوجل، يحمّله وهو لا يدري أن بداخله بابًا خفيًا يفتح لنا كل شيء. بمجرد أن يستقر التطبيق على هاتفه، يصبح تحت سيطرتنا. كل ملف، كل كلمة مرور، كل رسالة… كل شيء بين أيدينا دون أن يدرك.

وبعد ذلك لا حاجة لإخفاء الأمر، أنا أخبره بكل بساطة و  أرسل له مقطع فيديو يوضح له ما حدث، كرسالة غير مباشرة “كان يجب عليك أن لا تثق بهذا الرابط، لم يكن عليك أن تحمّل ذلك التطبيق، والآن الحساب لم يعد ملكك”

الممنوع مرغوب

و تحدث معنا الدكتور علي النبوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الازهر عن مخاطر استخدام التكنولوجيا قائلًا أنه  يدخل أحد المؤثرات إلى عقل المراهق ليشكل وجدانه، ويترك أثرًا عميقًا في تكوين شخصيته. ويرجع ذلك إلى وجود منطقة في الدماغ تُعرف باسم “منطقة الاستمتاع” أو “جهاز المكافأة”، وهي المسؤولة عن الإدمان، حيث يمكن أن يدمن الإنسان التكنولوجيا تمامًا كما يدمن أي شيء آخر. وهناك علامات ينبغي على الأهل الانتباه لها، إذ قد تشير إلى إدمان أبنائهم للتكنولوجيا، ومنها: تدهور علاقاته الاجتماعية، وانعزاله عن مجتمعه، وضعف أدائه الدراسي، مما يجعله لا يختلف كثيرًا عن مدمني المواد المخدرة.

د. علي النبوي، استاذ الطب النفسي بجامعة الازهر

كما أن التعرض المستمر للمحتوى المثالي على منصات التواصل الاجتماعي يفقدهم الثقة في أنفسهم، ويدفعهم للبحث عن نموذج مثالي غير واقعي. وبهذا أصبح الجيل الحالي مختلفًا تمامًا عن الأجيال السابقة، إذ لم يتشكل وعيه بناءً على أفكار ومعتقدات الآباء، بل نشأ تحت تأثير التكنولوجيا، التي أصبحت مصدره الأساسي بل الوحيد للمعلومات.

ماذا يقول الدين

و عن رأي الدين، فأجاب الشيخ أحمد داوود، سفير دولة التلاوة و موفد الأزهر الشريف لدولة اليابان، يعد استخدام التكنولوجيا والإنترنت وسيلةً ذات حدين، إذ يتحدد حكمها بناءً على كيفية استخدامها، فإن كان الاستخدام فيما هو نافع ومباح وأدى إلى ما هو حلال، فلا حرج فيه، أما إذا استُخدمت في المحرمات أو أدت إلى الوقوع في الحرام، فإنها تصبح محرمة. ومن الأخطار التي تواجه المراهقين في هذا المجال، مشاهدة المقاطع أو الصور غير اللائقة أو ممارسة الألعاب التي تتضمن المراهنات، وقد يعتقد البعض أن المراهق لا يُحاسب على ذلك لعدم وعيه الكامل، لكن في الإسلام، يُحاسب الإنسان منذ بلوغه، فلا توجد مرحلة يُسمح فيها للفرد أن يفعل ما يشاء دون مسؤولية تحت مسمى “طيش الشباب” أو “فترة المراهقة”

وفيما يتعلق بنشر الأخبار الكاذبة والمضللة عبر الإنترنت محرم، لأنه نوع من الكذب الذي ينتشر بسرعة بين الناس، ويصبح من السيئات الجارية، إذ إن كل من يقرأ أو يسمع تلك الشائعة يتحمل الناشر وزره.

أما إدمان الهاتف المحمول، فهو من الأمور التي تؤثر على حياة الإنسان، لا سيما إذا أدى إلى الانشغال عن الصلاة والواجبات الأساسية. ولهذا، يجب أن يكون هناك ضوابط لاستخدامه، منها: عدم استخدامه فيما يؤدي إلى المحرمات، وعدم الانشغال به طوال الوقت حتى لا يتحول إلى إدمان، وألا يكون سببًا في تضييع الفرائض كالصلاة والعمل والدراسة. وللمراهقين الذين يقضون أوقاتهم في استخدام التكنولوجيا دون فائدة، فإن النصيحة الأهم لهم أن يحرصوا على استغلال الإنترنت فيما ينفعهم، حيث تتوفر على منصات التواصل الاجتماعي العديد من الدورات التعليمية والبرامج المفيدة التي يمكن أن تفيدهم في حياتهم، بدلًا من تضييع الوقت فيما لا يعود عليهم بالنفع.

هل من نصيحة

و قدم لنا النصيحة حمدي عبدالرحيم، الخبير التكنولوجي، أنه إذا تعرض المراهق لمشكلة  أثناء استخدامه للتكنولوجيا، مثل الابتزاز أو التنمر الإلكتروني، فمن الضروري أن يدرك أن رد فعله الأولي قد يكون حاسمًا في تحديد مسار الأمور. في هذه الحالات، يجب عليه التوقف فورًا عن الرد على الشخص الذي يبتزه أو يتنمر عليه، لأن الاستمرار في التفاعل قد يمنح الطرف الآخر مزيدًا من السيطرة ويزيد من تفاقم الوضع. أما في حالة اختراق حسابه الشخصي، فعليه التصرف بسرعة بقطع الاتصال بشبكة الإنترنت فورًا، لمنع المهاجم من التحكم في بياناته بشكل أكبر، ثم اللجوء إلى شخص بالغ موثوق به، سواء كان أحد والديه أو معلمًا أو مستشارًا، للحصول على الدعم والمشورة.

الخبير التكنولوجي حمدي عبدالرحيم

من الأخطاء الشائعة التي قد يقع فيها المراهق في مثل هذه المواقف، هي الاعتماد على أصدقائه وحدهم لحل المشكلة. على الرغم من حسن نواياهم، إلا أنهم قد يفتقرون إلى الخبرة اللازمة، وربما يقدمون نصائح غير مدروسة تزيد من تعقيد الأمر. لذا، من الأفضل اللجوء إلى أشخاص لديهم خبرة كافية في التعامل مع مثل هذه المواقف.

بمجرد استعادة الهدوء، يجب على المراهق توثيق المشكلة بدقة، لأن الأدلة الرقمية تلعب دورًا أساسيًا في إثبات تعرضه للابتزاز أو التنمر. يشمل ذلك التقاط صور للمحادثات، وتسجيل لقطات شاشة لأي رسائل تهديد أو محاولات ابتزاز، مع الحرص على حفظ كل التفاصيل المتعلقة بالحادثة، مثل أسماء الحسابات المتورطة، وأوقات إرسال الرسائل، وتواريخ وقوع الحادثة.

و بعد جمع الأدلة، يأتي دور اتخاذ الخطوات القانونية والإجرائية المناسبة. يجب على المراهق أو من يثق به إبلاغ الجهات المختصة، سواء كانت الشرطة الإلكترونية أو المؤسسات المعنية بحماية الأطفال والمراهقين على الإنترنت، لضمان اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الجناة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي التواصل مع منصة التواصل الاجتماعي التي وقعت عليها الحادثة، مثل فيسبوك أو انستجرام، وتقديم بلاغ رسمي، مما قد يساعد في إيقاف الحساب المسيء أو اتخاذ إجراءات ضد مرتكب الانتهاك.

وأخيرًا، لا بد من اتخاذ خطوات لحماية الحساب الشخصي وتأمينه لمنع تكرار المشكلة في المستقبل. يشمل ذلك تغيير كلمة المرور إلى كلمة قوية تتكون من أحرف وأرقام ورموز، وتفعيل المصادقة الثنائية عند توفرها، وتجنب النقر على أي روابط مشبوهة قد تكون وسيلة لاختراق الحسابات. بهذه الطريقة، يستطيع المراهق التعامل مع المشكلة بوعي ومسؤولية، ويحمي نفسه من الوقوع ضحية لمثل هذه التهديدات مرة أخرى.

Back To Top