الحب في عصر السوشيال ميديا.. مشاعر حقيقية أم وهم رقمي؟

• تقرير: ريموندا أنور – دنيا خالد

في عصر السوشيال ميديا الذي يربط العالم بأسره، أصبح التواصل بين المراهقين لا يتوقف عند حدود اللقاءات التقليدية بل يمتد إلى الفضاء الرقمي، حيث تتشكل علاقاتهم العاطفية بطرق غير مألوفة، واليوم لم يعد الحب مقتصرًا على اللقاءات الواقعية أو الكلمات المنطوقة بل أصبح يتنقل عبر الشاشات في صورة رسائل وتعليقات وإعجابات، ولكن مع هذا التحول الكبير يظل السؤال مطروحًا هل يمكن أن يكون هذا الحب الرقمي حقيقيًّا؟

 كانت نوران طه التي تبلغ 17 عامًا، أثناء دراستها بالثانويه، تعيش قصة حبها الأولى والتي بدأت عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

كانت مجرد فتاة حالمة حين لفت انتباهها شاب يكبرها سنًا عبر “فيسبوك”، وبدأت بينهما محادثات متفرقة سرعان ما تحولت إلى علاقة وطيدة، وكان أسلوبه في الحديث يجذبها وطريقته جعلتها تتعلق به شيئًا فشيئًا حتى باتت لا ترى في العالم سواه علي حد وصفها، لكن الأمور لم تكن كما كانت في البداية.

لم يكن الشاب من محافظتها، ومع مرور الوقت بدأ يفرض عليها قيودًا تحت ستار الحب والغيرة، وأصرّ على أن تقلل من محادثة أصدقائها، كما طلب منها أن تُبقي علاقتهما مخفية عن الجميع ولأنها كانت تحبه بصدق خضعت لرغباته خوفًا من أن تخسره.

إلى أن جاء اليوم الذي كشف لها الحقيقة عن طريق الصدفة، بعدما تحدثت إلى أحد أصدقائه، فاكتشفت أن كل ما كانت تصدقه لم يكن سوى أكاذيب، عرفت أنه لم يكن صادقًا معها، وأنه أخفى عنها حقائق جوهرية منها أنه كان يعمل وهي لا تعلم  بذلك ثم بدأت الصورة تتضح أمامها، وأدركت أنها كانت تعيش في وهم صنعه ذلك الشاب بكلماته المنمقة وسيطرته الماكرة.

بيئة مفتوحة

أكدت الدكتورة نادية جمال، استشاري العلاقات الأسرية والإرشاد النفسي، أن العلاقات العاطفية عبر السوشيال ميديا تؤدي إلى صراع داخلي لدى المراهقين بسبب الفارق بين الحياة الرقمية والواقع، والعلاقات عبر الإنترنت تخلق توقعات غير واقعية نتيجة الصور المثالية التي يتم عرضها، وعندما يواجه المراهقون صعوبات أو خلافات في علاقاتهم الحقيقية يشعرون بخيبة أمل أو صراع داخلي بسبب التباين الكبير بين التوقعات والواقع، هذا الفارق بين المفاهيم الرقمية والواقع يسبب مشاعر ارتباك وحيرة خاصة إذا كان المراهقون يفتقرون إلى الخبرة في بناء علاقات حقيقية وعميقة.

وأضافت أنه بالنسبة إلى الوالدين، فيجب عليهما التعامل مع العلاقات العاطفية عبر السوشيال ميديا بشكل صحي وآمن من خلال عدة خطوات، أولاً يجب خلق بيئة مفتوحة تتيح للمراهقين التحدث عن علاقاتهم عبر الإنترنت من دون خوف من الانتقاد أو العقاب، ومن الضروري أيضًا توعية المراهقين بالمخاطر المحتملة للعلاقات على السوشيال ميديا مثل خداع الهوية أو التلاعب العاطفي، وتعليمهم كيفية التعامل مع المشاعر السلبية التي قد تنشأ من هذه العلاقات.

من المهم أن يضع الآباء قواعد واضحة للاستخدام الآمن للسوشيال ميديا مع التأكيد على ضرورة وضع حدود للتفاعل مع الآخرين عبر الإنترنت، ويجب أيضًا أن يقدموا الدعم العاطفي للمراهقين لمساعدتهم على التعامل مع الصدمات العاطفية وتوجيههم بعيدًا عن المفاهيم المغلوطة للعلاقات، ومن المهم أيضًا تشجيع المراهقين على تطوير مهارات التواصل الواقعي وبناء علاقات عميقة وصادقة في الحياة الواقعية بعيدًا عن الصور المثالية التي يتم عرضها على السوشيال ميديا.

الثقة بالنفس

مؤكده ناديه، أن العلاقات العاطفية عبر السوشيال ميديا قد تؤثر سلبًا على الثقة بالنفس لدى المراهقين، حيث إن التركيز يكون عادةً على الصور المثالية، واللحظات الجميلة، وما يعزز ذلك مشاعر عدم الأمان لدى المراهقين، وإذا كانت العلاقة تتم في بيئة رقمية فقط؛ فقد يصبح المراهق عرضة للمقارنات السلبية مع الآخرين؛ مما يسبب شعورًا بالضعف أو عدم القيمة. 

وقد يفتقر المراهقون إلى التقدير الذاتي الواقعي والعميق، ويشعرون بأنهم بحاجة مستمرة إلى الاهتمام أو الموافقة من الآخرين مثل الإعجابات أو التعليقات لتعزيز صورتهم الذاتية، وهذا يمكن أن يعزز ضعف الثقة بالنفس، والشعور بالعجز عند مواجهة أي نوع من التحديات في العلاقات.

و موجه نصيحه للأهالي بأنه من المهم تعليم المراهقين كيفية وضع حدود واضحة لاستخدام السوشيال ميديا، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على الخصوصية وحماية أنفسهم من الإفراط في المشاركة، ويجب تدريبهم على كيفية التعرف على مشاعرهم العاطفية وإدارتها بشكل صحي، مع التمييز بين المشاعر الجياشة التي قد تنشأ عبر الإنترنت وبين الحب الحقيقي، وتوجيه المراهقين نحو بناء علاقات صحية ومتوازنة في الحياة الواقعية بدلًا من الاعتماد على العلاقات الافتراضية فقط.

والمقارنات المستمرة بين العلاقات العاطفية على السوشيال ميديا والعلاقات الحقيقية قد تؤدي إلى سلوكيات ضارة، حيث قد يشعر المراهقون بضغط لمواكبة الصور المثالية التي يتم عرضها على الإنترنت؛ مما يؤدي إلى شعور بعدم الرضا أو عدم الكفاية، ويبدأ المراهقون في تحليل كل جزء من علاقتهم الواقعية استنادًا إلى المقارنات؛ مما يؤدي إلى الإحباط وتؤدي هذه المقارنات إلى تراجع في جودة العلاقات الحقيقية نتيجة التشويش الذي تسببه الصور المثالية عبر الإنترنت.

مخاطر نفسية

وفي السياق ذاته، أكدت الدكتورة سارة الخرباوي، أخصائية علاج معرفي سلوكي ولايف كوتش، على أن التواصل عبر السوشيال ميديا يؤثر بشكل كبير على مفهوم الحب لدى المراهقين، حيث أصبحت العلاقات العاطفية أكثر سهولة وسطحية خاصة مع انتشار منصات مثل “تيك توك” التي تُظهر هذه العلاقات وكأنها أمر عادي من دون أي اعتبارات دينية أو أخلاقية، ومع مرور الوقت تغيرت بعض القيم والمبادئ مما جعل المراهقين أكثر تقبلًا لفكرة تكوين علاقات افتراضية من دون وعي حقيقي بعواقبها، وهنا يأتي دور الأسرة في توجيه الأبناء وتصحيح مفاهيمهم؛ حتى لا ينجرفوا نحو تجارب قد تكون مؤذية لهم.

سارة الخرباوي أخصائية علاج معرفي سلوكي

ويختلف الحب الذي ينشأ عبر السوشيال ميديا عن الحب التقليدي، فالحب عبر السوشيال ميديا حب ناقص يفتقد إلى التفاعل الواقعي والمباشر بين الطرفين، وفي العلاقات الحقيقية يقوم الحب على التواصل الفعلي والتفاهم والمشاركة في تفاصيل الحياة اليومية، بينما تعتمد العلاقات عبر الإنترنت على الرسائل والصور؛ مما يجعلها غير كافية لبناء علاقة عاطفية متينة.

وأكملت بأن من أبرز المخاطر النفسية التي قد يواجهها المراهقون بسبب هذه العلاقات هو الصدمة العاطفية، حيث يتسمون بالمشاعر القوية والاندفاع؛ مما يجعلهم يتأثرون بشدة عند انتهاء العلاقة فجأة، ويؤدي ذلك إلى الإحباط والشعور بالخيانة، بل قد يعمم بعضهم فكرة أن الحب غير حقيقي أو أن الناس لا يمكن الوثوق بهم؛ مما يسبب لهم مشكلات نفسية تحتاج إلى وقت وجهد لتجاوزها، وتعزز السوشيال ميديا لدى المراهقين توقعات غير واقعية حول العلاقات العاطفية، وغالبًا ما يفتقرون إلى الخبرة الكافية لفهم طبيعة الحب الحقيقي.

تُعد السوشيال ميديا من الأدوات المؤثرة في حياة المراهقين، حيث يمكن أن تلعب دورًا إيجابيًا في تعزيز التواصل والتفاعل لكنها في الوقت ذاته قد تُساهم في تشويه مفاهيم الحب والعلاقات لدى الشباب، ومع تزايد التأثير الرقمي على حياتهم العاطفية يواجه المراهقون تحديات كبيرة في التمييز بين المشاعر الحقيقية والمزيفة؛ مما قد يؤدي إلى اضطراب في ثقتهم بأنفسهم وعلاقاتهم.

لذلك من المهم أن يتعلم المراهقون كيفية إدارة هذه العلاقات بطريقة صحية، وأن يحصلوا على الدعم والتوجيه اللازمين من أسرهم والمجتمع المحيط بهم، ومن خلال الوعي والتوجيه الصحيح يمكنهم التفاعل بشكل إيجابي مع عالم السوشيال ميديا، وتحقيق توازن بين الحياة الرقمية والعلاقات الحقيقية مما يساهم في بناء شخصية متوازنة وقوية.

Back To Top