الحب في سن المراهقة.. تجربة غير ناضجة وعواقبها خطيرة

استشارية الصحة النفسية أمل محسن: “سن المراهقة من أخطر المراحل العمرية التي يمر بها الأنسان

• تقرير : ريم حسام – ديبوترا روماني

يعدُّ الحب من أعمق المشاعر الإنسانية التي تؤثر على حياة الأفراد، خاصة خلال مرحلة المراهقة التي تتميز بالحساسية والتغيرات العاطفية الكبيرة، هذه المرحلة تشكل نقطة تحول في فهم المشاعر والتفاعل مع الآخرين، مما يجعلها موضوعًا يستحق الدراسة والتأمل، حيث تتعدد القصص والتجارب نتيجة الانفتاح وبعض العوامل الأخرى، كما تتعدد التأثيرات على حياة المراهق اجتماعيًا ودراسيًا وحتى صحيًا وجسديًا.

فالمراهق في هذه المرحلة يكون في طور اكتشاف ذاته وبناء شخصيته، مما يجعله أكثر تأثرًا بالعلاقات العاطفية التي قد تمنحه الثقة بالنفس أو تؤثر عليه سلبًا، بحسب الظروف التي تحيط به وطبيعة العلاقة التي يعيشها.

وفي إطار ذلك حكى المراهق زياد أحمد قصة حبه الأولى، قائلاً إنه التقى بمراهقة في مدرسته وأُعجب بها، فحاول التحدث إليها، لكنها صدّته في البداية. لم يستسلم، بل سعى إلى التقرب من أصدقائها حتى نجح في كسب صداقتهم، مما قرّبه منها تدريجيًا. وبالفعل، أصبحا صديقين، وبدأ كل منهما يشعر بمشاعر تجاه الآخر، ترجماها إلى ما ظنّاه حبًا. إلا أن علاقتهما لم تدم سوى شهر واحد، إذ لم تكن كافية للتعرف العميق، فافترقا بسبب صغر سنهما وعدم نضج التجربة. ومع ذلك، لا يزال زياد يتذكرها حتى اليوم، ويتذكر خسارته لها كصديقة.

أما المراهقة إيمان وليد، فقصّت تجربتها قائلة إن العلاقة التي جمعتها بالشخص الذي أحبته بدأت بصداقة دامت أطول من فترة الحب نفسه، لكنها أدركت لاحقًا أن مشكلات الحب كانت أعمق من قدرتها على الاستيعاب. ولم يكن هو مستعدًا لبذل الجهد من أجل استمرار العلاقة، مما زاد من ألم التجربة. الأسوأ من ذلك، أنها اكتشفت خيانته لها مع إحدى صديقاتها المقربات، وهو ما ترك أثرًا بالغًا في نفسها، خاصة بعد أن أيقنت أنه اختار هذه الفتاة تحديدًا لأنه كان يعلم كم ستؤذيها هذه الخيانة. فقدت إيمان في لحظة واحدة حبًا وصداقة، وتركت التجربة في قلبها علامة لا تُنسى.

خطوات غير ثابته

اجتمعت آراء بعض المراهقين على أن أول تجربة حب لهم كانت في عامهم الـ 14 أو 15، في المدرسة أو في النادي، وتبدأ دائمًا بصداقة بين الطرفين ثم يتطور الأمر إلى مشاعر أخرى، يترجمونها بخبراتهم المحدودة على أنها حب، وأجمع أكثرهم أن الأهل دائمًا يحتضنون الموقف ويعطونهم نصائح، ويكون الأمر تحت رقابتهم.

أما عند سؤال المراهقين عن تأثير الحب على دراستهم، فأجاب البعض بأنه لم يؤثر سلبيًا، بل كان دافعًا لتحسين النفس من أجل الحصول على تشجيع الطرف الآخر، بينما أشار آخرون إلى أنهم أصبحوا مشتتين، يفكرون باستمرار في مشاكل العلاقة، مما أدى إلى تراجع مستوى تركيزهم في الدراسة.

وعند الحديث عن التعامل مع الانفصال، فقد أكد البعض أنهم لا يستطيعون منع التأثير السلبي تمامًا، لكنهم يحاولون تجاوز الأمر عبر الانشغال بالدراسة أو قضاء الوقت مع الأصدقاء، بينما قال آخرون إن الأمر يستنزف تفكيرهم لفترة طويلة، مما يؤثر على ثقتهم بأنفسهم.

وفيما يتعلق برؤية المراهقين للحب في سنهم، كان هناك انقسام في الآراء؛ البعض يراه تجربة حقيقية تعتمد على مدى جدية الطرفين، بينما يعتقد آخرون أنه مجرد مرحلة عابرة، وأحيانًا لا يكون الحب نفسه هو الدافع لدخول العلاقة، بل الشعور بالأمان أو رغبة في خوض التجربة مثل الآخرين.

و أوضحت الدكتورة أمل محسن، استشارية الصحة النفسية، عضو المجلس الأمريكي للمستشارين النفسيين، إن سن المراهقة من أخطر المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان، حيث لا يكون المراهق طفلًا ولا شابًا، بل يمر بمراحل ثورة هرمونية داخلية ينتج عنها تغيرات في الحالة المزاجية والمشاعر والأفكار والهوية، مما يجعله يسعى لاكتشاف ذاته وبناء شخصيته وفقًا للثقافة والتربية التي نشأ عليها.

ومع التغيرات النفسية والجسدية التي يمر بها، يجد المراهق نفسه أمام مشاعر متقلبة يصعب عليه أحيانًا فهمها أو التعامل معها، فالبعض يرى الحب كدافع للنمو الشخصي وتحقيق الطموحات، بينما قد يصبح للبعض الآخر مصدر قلق وتوتر، خاصة عندما يتداخل مع مشكلات أخرى مثل الضغط الدراسي أو المشاكل الأسرية.

وأكدت على أهمية دور الأسرة في احتواء المراهقين خلال هذه المرحلة، حيث يجب أن يكون هناك تقارب بين الأهل والأبناء، وأن يتم بناء علاقات صداقة مع أصدقاء الأبناء وأولياء أمورهم، وذلك لضمان بيئة داعمة ومتفهمة، كما أن البعد عنهم وعدم توفير الدعم العاطفي قد يؤدي إلى مشاكل صحية مثل آلام القولون العصبي، وظهور حب الشباب، والحساسية نتيجة الشعور بالوحدة.

كما أن التجربة العاطفية في سن المراهقة قد تترك أثرًا طويل الأمد في تكوين شخصية الفرد ونظرته للعلاقات المستقبلية، فبعض التجارب الإيجابية قد تعزز الثقة بالنفس وتعلم الفرد كيفية بناء علاقات صحية ومتزنة، بينما قد تؤدي التجارب السلبية إلى مشاعر الإحباط أو انعدام الثقة في العلاقات العاطفية.

مشاعر غير ناضجة

وتشير إنجي عبد الملك، الحاصلة على شهادات في علم النفس الإيجابي والبرمجة العصبية اللغوية والتعديل السلوكي من جامعة عين شمس، إلى أن التشتت وعدم التركيز نتيجة المشاعر، سواء كانت السعادة أو الحزن، تؤثر بشكل مباشر على الدراسة وتشتت الانتباه، كما أن بعض المراهقين قد يعانون من مشاعر الأنانية، مما يؤدي إلى انسحابهم من محيطهم الاجتماعي بالكامل، إضافة إلى التأثير العاطفي الناتج عن الأمل الكبير في استمرار العلاقة مما يزيد من القلق في حال حدوث انفصال.

انجي عبدالملك باحثة في علم النفس الإيجابي و البرمجة العصبية اللغوية و التعديل السلوكي

ومع تسارع وتيرة الحياة الحديثة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح للحب في هذه المرحلة أبعاد جديدة، حيث زادت فرص التواصل والتأثير المتبادل؛ مما أضاف تحديات وفرصًا لم تكن موجودة من قبل، فقد أصبح من السهل التعبير عن المشاعر وتبادلها، لكن في الوقت نفسه زادت احتمالية التعرض لصدمات عاطفية أو علاقات غير مستقرة، مما يترك أثرًا نفسيًا على المراهق، من جهة أخرى دور الأسرة هنا لا يقتصر على إعطاء النصائح، بل يمتد إلى الاحتواء والتفاهم مع الأبناء بعقل منفتح من دون توبيخ أو لوم، فالتربية القائمة على الصراحة والوازع الديني يمكن أن تكون عاملًا أساسيًا في توجيه المراهقين نحو اتخاذ قرارات أكثر وعيًا فيما يتعلق بعلاقتهم العاطفية.

ختامًا رغم أن البعض يرى أن الحب في سن المراهقة قد يكون تجربة مفيدة تساهم في بناء الشخصية، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك في كثير من الحالات، فهذه المشاعر غالبًا ما تكون غير ناضجة وتؤدي إلى تشتت الانتباه وانخفاض مستوى التحصيل الدراسي واضطرابات نفسية قد تترك أثرًا سلبيًا على المستقبل، كما أن المراهق بحكم قلة خبرته قد يقع ضحية للعلاقات غير المتوازنة؛ مما يسبب له جروحًا عاطفية تؤثر على نظرته للحب والزواج في المستقبل؛ لذلك يجب التعامل مع هذه المشاعر بحذر مع التركيز على تنمية الذات والتخطيط للمستقبل بدلًا من الانشغال بعلاقات غير مستقرة قد تعيق التقدم في الحياة.

Back To Top