المدرب إبراهيم خطاب: العامل النفسي أساس تورط المراهقين في علاقات مؤذية
• حوار: نور محمد- چنى عثمان- مريم سمير
يمر المراهقون بكثيرٍ من التغيرات في المشاعر، والتي تؤثر على علاقاتهم العاطفية باندفاع وسوء تقدير، وأحيانًا يرفض المراهقون نصائح الأسرة والمقربين، وفي حوار خاص مع إبراهيم خطاب، عضو رابطة الأخصائيين النفسيين المصرية، ومدرب “كورت” معتمد من مركز الإبداع لتطوير الذات بالمملكة العربية السعودية، ومدير مركز “مودة” للاستشارات الأسرية والتدريب، يكشف لنا عن طبيعة الحب في مرحلة المراهقة والتحديات التي تحملها، وطريقة التعامل الصحيحة مع عدم النضج التعاطفي والخوف من الرفض أو الفشل العاطفي، إلى جانب تعلم كيفية التوازن بين الحب والحياة الشخصية والدراسية، وإلى نص الحوار..
ما أبرز المشكلات العاطفية التي يواجهها المراهقون؟
يواجه المراهقون مشكلات عاطفية ناتجة عن رغبتهم في الشعور بالنضج وإثبات ذاتهم، مما قد يدفعهم إلى الدخول في علاقات عاطفية بحثًا عن القبول والأمان.
وإذا لم يحصلوا على إشباع عاطفي كافٍ من الأسرة، فقد يعانون من ضعف الثقة بالنفس والخوف من الرفض، مما يجعلهم يقبلون علاقات غير مناسبة أو يتعرضون للابتزاز العاطفي.
وتخلق وسائل التواصل الاجتماعي تصورات غير واقعية عن العلاقات، وترفع توقعاتهم وتؤدي إلى صراعات بين الواقع والمثالية، كما قد ينجرف المراهقون للارتباط تحت ضغط الأقران، حتى لو لم يكونوا مقتنعين، مما يعرضهم لعلاقات غير متوازنة أو مؤذية نفسيًا.
من المهم أن يدركوا أن النضج لا يتحقق بالعلاقات العاطفية فقط، بل ببناء الثقة بالنفس، والروابط الأسرية القوية، والصداقة الصحية.
هل احتمالية استمرار علاقة عاطفية منذ مرحلة المراهقة ضعيفة؟
نعم، احتمال استمرارها ضعيف جدًّا، وربما لا يتجاوز 1% فقط، لأن النضج والتغييرات في الأولويات تلعب دورًا كبيرًا.
وفي الماضي، كان الزواج مبكرًا، مما سهل استمرار العلاقات، أما اليوم، فتأخر سن الزواج يمنح الأفراد منظورًا أوسع للحياة، مما يؤدي إلى إعادة تقييم العلاقات.
ومع النضج، قد يدرك الشخص أن شريكه لم يعد مناسبًا له، فالمشكلة ليست في الأشخاص بل في تغيير التفكير مع الوقت، ورغم إدراك المراهقين لذلك، فإن حاجتهم العاطفية تدفعهم إلى الاستمرار في العلاقة.
كيف تؤثر المشاعر المندفعة في هذه المرحلة على اتخاذ القرارات العاطفية؟
يتسم المراهق بالتقلب العاطفي والاندفاع، وهما ما يؤثران على قراراته العاطفية، قد يتغير ذوقه فجأة في الموسيقى أو الأشخاص، وينطبق ذلك على العلاقات، وقد يشعر بالحب ثم يشكك في مشاعره.
ويؤدي عدم فهم هذه التقلبات إلى علاقات غير ناجحة قد تسبب الأذى العاطفي، كما أن المراهق يتخذ قرارات عاطفية سريعة من دون تفكير كافٍ؛ مما يجعل العلاقات قصيرة الأمد وغير مستقرة، لأنها لم تُبنَ على نضج وتفكير سليم.
كيف يمكن أن تؤثر العلاقات العاطفية في المراهقة على الصحة النفسية؟
تؤثر العلاقات العاطفية في المراهقة على الصحة النفسية إيجابيًا وسلبيًا، فمن الناحية الإيجابية، تعزز الثقة بالنفس، وتطور مهارات التواصل، وتساعد في فهم الذات.
أما سلبيًا، فقد تؤدي العلاقات قصيرة الأمد إلى مشاعر الفشل، وتراجع الثقة بالنفس، والتوتر والاكتئاب، مما يؤثر على التحصيل الدراسي.
وقد يخلق تكرار الفشل العاطفي شعورًا بالنقص، ويدفع المراهق إلى الدخول في علاقات متكررة بحثًا عن إثبات ذاته، مما يجعله ينجذب لـ”حلاوة البدايات” من دون تحمل مسئولية العلاقة.
هل هناك فرق بين مشكلات الحب لدى الفتيات والفتيان في هذه المرحلة؟
بالتأكيد، فكل منهما يبحث عن شيء مختلف في العلاقة، عندما تبحث الفتاة عن الحب، يكون تركيزها الأساسي على الجانب العاطفي، وتسعى لإشباع احتياجها إلى المشاعر والاهتمام، وتهتم جدًا بهذه الجوانب في العلاقة.
أما الفتى، فغالبًا ما يكون تركيزه مختلفًا، إذ يسعى إلى الشعور بالقوة والسيطرة، ويرى في العلاقة وسيلة لتعزيز إحساسه بالرجولة، إلى جانب ذلك، يولِي اهتمامًا كبيرًا بالجانب الجسدي، ويبحث عن التأكيد على كونه مرغوبًا، وقادرًا على فرض حضوره كرجل.
ما العلامات التي تدل على أن العلاقة العاطفية قد تكون مضرة نفسيًا أو جسديًا؟
تشمل علامات العلاقات السامة “العزلة”، ويتم إبعاد الطرف الآخر عن أصدقائه أو عائلته وحياته الاجتماعية.
كذلك، يظهر الضرر في السيطرة المفرطة، والغيرة المرضية، والتقليل المستمر من قيمة الشريك وانتقاده الدائم.
من العلامات الخطيرة أيضًا اقتحام الخصوصية من دون احترام المساحة الشخصية، حيث يتحكم أحد الطرفين في كل تفاصيل حياة الآخر من دون منحه أي استقلالية.
ما العوامل التي تؤدي إلى وقوع المراهقين في تجارب حب مؤذية؟
يُعد العامل النفسي هو الأساس في وقوع المراهقين في علاقات مؤذية، إذ يسعى المراهق لإثبات أنه شخص جيد ومميز.
على سبيل المثال، إذا تم تحذير فتاة من أن شخصًا ما مؤذٍ وغير مناسب، حتى لو كان ذلك بشهادة العديد من الأشخاص، فلن تصدق ذلك بسهولة، فإن عقلها سيقنعها بأنها مختلفة عن الآخرين، وأن ما حدث مع غيرها لن يحدث معها.
كذلك، يعتقد المراهق أنه قادر على تغيير الآخرين، فيختار شخصًا سيئًا يعيش حياة غير مستقرة، ويقنع نفسه بأنه سيتمكن من إصلاحه وتحسينه؛ لكنه في النهاية يجد نفسه عالقًا في تجربة مؤلمة، فقط لأنه أراد إثبات أنه مختلف وقادر على إحداث تغيير في شخص آخر.
ومثل هذه العلاقات تكون مؤذية نفسيًا، سواء بالكلام أو بالأفعال، وتترك أثرًا سلبيًا على شخصية المراهق، كما أن التعافي منها قد يستغرق وقتًا طويلًا، خاصة بعد إدراك الحقيقة متأخرًا.
كيف يتعامل المراهق مع مشاعر الحب غير المتبادل؟
من المهم أن يعترف بمشاعره لنفسه من دون إنكارها، حتى لو لم يتم تبادلها، وفي حال التعرض للرفض، يجب ألا يضع اللوم على الطرف الآخر، بل يكون واعيًا بحقيقة مشاعره ويتقبلها.
ومن الضروري أيضًا أن يشغل نفسه بهواياته وأصدقائه، حتى يكون البديل صحيًا، ويحيط نفسه بأشخاص يحبونه ويدعمونه، بدلاً من اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي، التي قد تتحول إلى وسيلة هروب سلبي تزيد من المشكلة بدلًا من حلها.
كذلك، ينبغي أن يدرك أن الرفض أحيانًا يكون بسبب عدم استعداد الشخص الآخر للارتباط، وليس لعيب فيه، مما يساعده على تجنب لوم الذات، وهو أمر مؤذٍ نفسيًا يجب الابتعاد عنه.
كيف يتعامل الشخص مع مشاعر الغير في حالة عدم تقبلها؟
إذا وجد شخص مشاعر تجاهه من طرف آخر ولكنه لا يبادله الشعور نفسه، من المهم أن يكون لطيفًا، مقدرًا لمشاعره، ورحيمًا به.
ويوضح له بهدوء أن المشكلة ليست فيه، مع توضيح أسباب عدم الارتباط بصدق ووضوح، من دون إعطائه أملًا زائفًا أو إرسال إشارات غير مفهومة، من الأفضل أن يوضح أن عدم التوافق هو السبب الوحيد، وليس لأن الشخص الآخر سيئ أو غير جيد بما يكفي.
كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على مشاعر المراهقين وعلاقاتهم؟
تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على مشاعر المراهقين بجعلهم أكثر اندفاعًا عاطفيًا، لأنها تعزز أحلام اليقظة وتوهمهم بأن أي اهتمام هو حب حقيقي، كما أن المحتوى المبالغ فيه عن الحب والمفاجآت يزيد الاحتياج العاطفي، مما قد يدفعهم إلى علاقات غير مناسبة.
وإحدى أكبر السلبيات هي المقارنة، لأنها تجعل المراهقين يقارنون حياتهم بمثالية الآخرين، مما يخلق شعورًا بعدم الرضا، حتى مع إدراك أن كثيرًا مما يرونه مجرد استعراض وإعلانات، يبقى تأثيره قويًا، فيرفع التوقعات غير الواقعية للعلاقات العاطفية.
ما أهم النصائح التي تقدمها إلى المراهقين للحفاظ على علاقات عاطفية صحية؟
أهم نصيحة يمكن تقديمها إلى المراهقين هي التفكير بعقلانية ومنطقية عند الدخول في أي علاقة، وألا تكون العلاقة قائمة على المشاعر فقط.
ومن أكثر الأسباب التي تؤدي إلى فشل العلاقات، وحتى الطلاق لاحقًا، هو الاعتقاد بأن الحب وحده كافٍ لنجاح العلاقة، وهذا خطأ كبير.
كذلك، من المهم ألا يجعل المراهق العلاقة العاطفية محور حياته، حتى ينشغل تمامًا بالطرف الآخر على حساب جوانب حياته الأخرى، مما يجعله يشعر بأن الحياة انتهت إذا انتهت العلاقة، ويدخل في حالة من الاكتئاب.
لذا، يجب الحفاظ على التوازن وعدم السماح لشخص واحد بأن يصبح محور الحياة بالكامل، كما يجب احترام الحدود الشخصية، وعدم السماح للمشاعر بأن تكون الدافع الوحيد لاتخاذ القرارات.
وإذا كان الشخص يعلم بأن مشاعره قوية وجياشة بشكل مبالغ فيه، فمن الأفضل أن يتجنب الدخول في علاقة حتى يكون أكثر قدرة على التحكم في عواطفه.
ما أفضل طريقة للتعامل مع الانفصال العاطفي من دون التأثير السلبي على الدراسة والحياة الاجتماعية؟
يجب على المراهق التعبير عن مشاعره بطرق مختلفة، سواء من خلال الكتابة، أو التحدث مع مختص مثل أخصائي نفسي، أو مشاركة مشاعره مع أصدقائه.
الأهم هو مواجهة الحزن وعدم إنكاره حتى يتمكن من التعافي، مع تحديد أهدافه ووضع رؤية واضحة لما يريد تحقيقه، مما يساعده على التركيز على مستقبله بدلاً من الانشغال بالماضي.
كيف يجب أن يتعامل الأهل إذا أخبرهم ابنهم المراهق بأنه في علاقة؟
من المهم احتواء الأهل للموقف والتعامل معه بحكمة، مع إيضاح أن هذا الأمر ليس سهلاً، ولكن في الوقت نفسه، يساعدونه على الخروج منه بطريقة آمنة من دون إلحاق أي ضرر نفسي به.
متى يجب على الأهل أو الأخصائيين التدخل في علاقات المراهقين؟
يجب التدخل عندما تؤثر العلاقة سلبًا على المراهق أو على من حوله، مثل: إصابته بالاكتئاب الشديد، والشعور بالعزلة، أو فقدان الثقة بالنفس.
إذا وصلت الأمور إلى حد الاكتئاب الحاد أو ظهرت ميول انتحارية بسبب فشل العلاقة، فمن الضروري أن يلجأ الأهل إلى مختص من دون التعامل مع الأمر بسخرية أو تجاهل.
كذلك، يجب التدخل في العلاقات السامة التي تتضمن استغلالًا جسديًا أو جنسيًا، ليس بهدف فرض السيطرة على المراهق، ولكن لحمايته من الأذى وضمان سلامته النفسية والجسدية.
ما الدور الذي يجب أن يلعبه الأهل في توجيه أبنائهم خلال هذه المرحلة؟
كما ذكرت سابقًا، يجب أن يدرك الأهل مشاعر أبنائهم في المراهقة بدلًا من إنكارها، وعليهم توعيتهم منذ الصغر بالفرق بين الحب الحقيقي والمشاعر الاندفاعية، وتعليمهم مفهوم الحب الناضج للتمييز بين العلاقات الصحية والزائفة.
من الضروري توفير بيئة آمنة للحوار من دون خوف أو سخرية، مما يجعل المراهق أكثر استعدادًا للاستماع والاستفادة، كما يجب تعليمه احترام ذاته، وحماية نفسه من التلاعب العاطفي والاستغلال.
الأهم أن يشعر بإمكانية اللجوء لوالديه من دون خوف من اللوم، فعندما يدرك أن أسرته ملجأ آمن له، سيكون أكثر وعيًا وقدرة على اتخاذ قرارات عاطفية سليمة.
ما الآلية المناسبة في المدارس لتوعية المراهقين بشأن العلاقات العاطفية الصحية؟
يمكن للمدرسة أن تلعب دورًا مهمًا في توعية المراهقين بشأن العلاقات العاطفية الصحية من خلال تقديم برامج توعوية، أو تنظيم فعاليات دورية تستضيف فيها مختصين للحديث عن الذكاء العاطفي والانفعالي، والتحديات التي يواجهها المراهقون خلال هذه المرحلة.
كما يمكن إدراج منهج دراسي يتناول هذه التحديات، بحيث يتعلم الطلاب كيفية التعامل معها بطريقة صحية.
وفي النهاية، الجهة المسئولة عن الصحة النفسية للطلاب هي التي يمكنها تحديد الشكل الأمثل لهذه المبادرات، مع التأكيد على أن الهدف الأساسي هو التوعية فقط، وليس اتخاذ القرارات نيابة عن المراهقين.
إجمالًا، هل لديك نصحية معينة تريد التركيز عليها أكثر؟
أناشد الأهل وكل مؤسسات المجتمع، مثل المدارس وغيرها، بالاهتمام بالصحة النفسية للمراهق منذ بداية مرحلة المراهقة، بدلاً من الانتظار حتى تظهر المشكلات للتعامل معها.
