الحب في سن المراهقة..كيف يفهم المراهق مشاعره العاطفية ويتعامل معها؟

• تحقيق : ريموندا أنور– رضوى النوبي

في مرحلة المراهقة، يبدأ الشباب في اكتشاف مشاعرهم بطريقة فريدة، قد تدفعهم أحيانًا إلى خوض علاقات عاطفية غير محسوبة، ولكن، هل هذه العلاقات دائمًا لمصلحتهم؟ أظهرت دراسة أجراها مركز استطلاعات الحياة الأمريكية في عام 2023، أن المراهقين قد يحققون نجاحات أكبر عندما يقللون من العلاقات العاطفية، وأن الطلاب الذين نادرًا ما يواعدون يتمتعون بمهارات اجتماعية وقيادية أعلى، ويعانون من أعراض اكتئاب أقل مقارنةً بأقرانهم الذين يدخلون في علاقات عاطفية.

ورغم أن الحب قد يكون تجربة في مرحلة الشباب، ولكن يمكن أن يصبح بمثابة زوبعة عاطفية قد تشتت الانتباه عن الأمور المهمة مثل الدراسة أو الصداقات، والأسوأ من ذلك، في بعض الحالات، قد يتحول إلى تجربة تؤدي إلى العنف.

وتشهد مرحلة الثانوية، العديد من هذه الحالات خاصة في مدارس الفتيات، وتعمل الأخصائيات الاجتماعيات على حلها، ومن بينهم إنتصار محمد، أخصائية التربية الاجتماعية بمدرسة “بيجام” الثانوية بنات.

وقالت: “يتطلب الأمر مراقبة لتحليل مشاعرهم سواء أكانوا بنينًا أم بنات من خلال ملاحظة التغيرات في سلوكهم ومشاعرهم، ونقدم إليهم النصائح والإرشادات اللازمة لأنهم كثيرًا ما يلجأون للأخصائي الاجتماعي للتعبير عن تجاربهم العاطفية لشعورهم بالراحة في الحديث عن مشاعرهم سواء كانت ناتجة عن حب أو إعجاب”.

وعلى حد قولها، فإنه بالنسبة إلى الفتيات يلاحظ الأخصائي، أن مشاعرهن تتغير بشكل متقلب مع كل شخص يدخل حياتهن، فقد يختفي نوع من المشاعر ويظهر آخر، وهذا طبيعي في مرحلة المراهقة.

وأضافت: “يجب أن يوجه الأخصائي الاجتماعي النصائح إلى الفتيات بأنه ليس كل شخص يدخل حياتهن يحبهن حقًا بل قد يستغلهن البعض، إضافةً إلى ضرورة نصحهن بأن يمنحن أنفسهن الوقت الكافي للتفكير؛ لأن هناك العديد من الأشخاص الذين سيظهرون في حياتهن، وأول شخص لا يعني بالضرورة أنه سيكون شريك حياتهن”.

وعن مشاعر المراهقين، أوضحت أنها تعتبر في هذه المرحلة أحيانًا إعجابًا فقط وليست حبًّا ناضجًا، مشيرة إلى أن أغلب المدارس تنظم ندوات لتوجيه الطلاب، وفهم مشاعرهم المضطربة مع التأكيد على أهمية الاقتراب من الله في هذه المرحلة.

وتابعت: “يوضح الأخصائي الاجتماعي أن العلاقات بين الفتاة والولد في هذه الفترة قد تكون غير صحية، ويجب أن تكون مبنية على الاحترام المتبادل وليس على التسرع، ويؤكد لهم على أهمية أن يكون لدى المراهق القدرة على السيطرة على مشاعره وتوجيهها بشكل صحيح من خلال اختيار الصديق المناسب، ووجود شخص أكبر يمكنه التحدث إليه والاستفادة من نصائحه”.

نظرة واقعية

الاندفاع إلى الحب ليس حال كل المراهقات والمراهقين، ومن جانبها، أكدت إحدى الطالبات، أن مفهوم الحب بالنسبة إليها هو تقدير وحب متبادل بين الطرفين من دون وجود أي نوع من الأنانية في العلاقة.

وأكدت: “يجب أن يكون الطرفان حريصين على بعضهما البعض، ويشعران بالغيرة وخوف كل منهما على الآخر، والحب الحقيقي موجود في بعض الحالات ولكن ليس في كل مرة”.

وبالنسبة إليها، لم تشعر يومًا بأنها أحبت شخصًا، وأضافت: “الحب ليس جزءًا أساسيًا من حياتي في هذه المرحلة العمرية؛ لأنه في هذا الوقت قد يكون غير ضروري، وغالبًا ما يؤدي إلى الفشل، ويؤثر سلبًا على الشخص على المدى الطويل، والحب في هذه الفترة غالبًا ما يكون غير ناضج”.

جاء حديثها من نظرة واقعية، وتابعت: “إذا كان الشخص الآخر صرح بمشاعر الحب نحوها، فإنها ستعرف ذلك من خلال خوفه وقلقه عليها واهتمامه بها وتقديره لها، لكن لا أؤمن بفكرة الحب من أول نظرة، وأعتقد أنه يجب على الطرفين أن يتعرفا على بعضهما البعض، ويفهما بعضهما قبل أن تبدأ مشاعر الحب الحقيقية”.

الضوابط الشرعية

يوجه الدين المراهقين في هذه المرحلة العمرية، وفي سبيل ذلك أكد الداعية أحمد منير، الأستاذ المساعد بالجامعة الإسلامية الدولية بقسم الدراسات الإسلامية، أن الإسلام يضع ضوابط واضحة للعلاقة بين الأولاد والبنات، مشددًا على أهمية الحفاظ على الأخلاق والقيم في مرحلة المراهقة.

الداعية أحمد منير الداعية الاستاذ المساعد بالجامعة الإسلامية الدولية

وأضاف: “أنصحهم بالتركيز على تطوير الذات من خلال التعليم والدين، والابتعاد عن القرارات المصيرية مثل الارتباط العاطفي بسبب التغيرات النفسية والعاطفية في هذه المرحلة”.

وأشار إلى أن الإسلام يوضح أن العلاقة بين الجنسين يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل، ويحث على تجنب الفتن، كما قال الله تعالى: “قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ”.

وأضاف: “يُعد الزواج الإطار الشرعي الذي يحفظ المشاعر ويوفر الاستقرار، بينما تكون المشاعر في المراهقة غالبًا غير ناضجة، وتؤثر بها العواطف أكثر من العقل، وللتعامل مع المشاعر العاطفية يجب الالتزام بتعاليم الدين والابتعاد عن العلاقات المتسرعة”.

ونصح بأن يكون الارتباط في إطار شرعي والتركيز على المستقبل، ومن المهم للمراهق الموازنة بين المشاعر والقيم الدينية والتعامل مع المشاعر بحكمة، مع تحديد الأولويات مثل التعليم وتطوير الذات.

واستكمل حديثه: “أنصح أيضًا بالابتعاد عن العلاقات العاطفية التي قد تضيع الوقت أو تشتت الفكر عند اتخاذ قرار الارتباط في المستقبل، ويجب على المراهق أن يسأل نفسه إذا كانت العلاقة تقربه من الله أم تضره، كما يجب تقليل الاختلاط غير الضروري مع الجنس الآخر، والتركيز على الأنشطة المفيدة مثل الرياضة والعمل التطوعي، وأن يحيط المراهق نفسه بأصدقاء صالحين ليستفيد من تجاربهم، كما يجب أن يثق بالله كما فعل سيدنا يوسف عليه السلام، حيث قال: “رَبِّ صَرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ إِنَّ رَبِّي فِي رَحْمَتِهِ بِمَا يَشَاءُ“.

فكرة شائعة

رغم التحذيرات العديدة من الارتباط في هذه المرحلة العمرية، إلا أن الدكتورة نسرين حامد، خبيرة تربية المراهقين والعلاقات الأسرية، عضو متابعة الأداء بالمعاهد القومية، ترى أن الارتباط في فترة المراهقة فكرة شائعة لأنهم يتسمون في هذه السن بالتشتت العاطفي والفكري؛ مما يجعلهم يدخلون في تجارب عاطفية متعددة.

وأكدت أنه في هذه المرحلة يلجأ المراهق إلى أصدقائه بدلًا من أسرته؛ بسبب نقص الدعم العاطفي من الوالدين؛ مما يدل على ضعف الترابط الأسري.

وعلى حد قولها، إذا لاحظ الأهل أن أبناءهم يركزون بشكل مفرط على علاقاتهم العاطفية، وتراجعت اهتماماتهم الأخرى، فيجب أن يتدخلوا بأسلوب مناسب لمرحلة المراهقة، ويعلموهم بأنه من حقهم الحب ولكن يجب أن يكون بشكل ناضج.

وأضافت: “يجب على الأهل والمدارس توعية المراهقين بمخاطر العلاقات العاطفية في هذه الفترة، وتعليمهم أن تأجيل الارتباط قد يعكس نضجًا أكبر، كما يجب تحفيز المراهق على التفكير في مستقبله وطموحاته بدلاً من التركيز على العلاقات العاطفية فقط، ويجب أن يكون هناك ترابط أسري قوي يستمع فيه الأهل إلى أبنائهم لتجنب اللجوء إلى الآخرين”.

وعي عاطفي

أكدت على الأمر نفسه، منة الله، استشاري علاقات أسرية وتربية وصحة نفسية، و”لايف كوتش” معتمدة من “UCB” كندا، وقالت إن المراهقة هي مرحلة عمرية تنقسم إلى ثلاث مراحل: المراهقة المبكرة (من 9 إلى 12 سنة)، والمتوسطة (من 12 إلى 18 سنة)، والمتأخرة (من 18 إلى 22 سنة)، وتتميز كل مرحلة بتغيرات نفسية وجسدية تؤثر على المرحلة التي تليها.

اثناء الحوار مع استشارية العلاقات الأسرية والتربويّة منه الله الشوادف

وأوضحت أن الارتباط في سن المراهقة يعد أمرًا طبيعيًا بسبب التغيرات التي يمر بها المراهق لتطور عقله، قائلةً: “تنمو منطقة اتخاذ القرار؛ مما يولد لدى المراهق مشاعر جديدة مثل الإعجاب والحب، لكن العلاقات العاطفية في هذه السن غالبًا ما تكون غير ناضجة لأن منطقة اتخاذ القرار لم تكتمل بعد؛ مما يجعله غير مستقر عاطفيًا”.

وفسّرت حالة الاندفاع بأن المراهقين أحيانًا يرون أن علاقاتهم العاطفية هي أهم شيء في حياتهم خاصة إذا كانوا يواجهون مشاكل أو شعورًا بالرفض في بيئتهم الأسرية، فيبحثون عن الدعم العاطفي في هذه العلاقات.

تأثير الأسرة

وتابعت استشاري العلاقات الأسرية: “يتمكن المراهق من التفرقة بين الحب الحقيقي والتعلق العاطفي غير الصحي، مع اقترابه من مرحلة النضوج العقلي والعاطفي، ويمكنه تمييز الفرق بين العلاقة الصحية والتجربة السطحية، وقد يتأثرون بالرفض العاطفي بناءً على بيئتهم الأسرية، فإذا كانت الأسرة مستقرة يكون الرفض العاطفي أقل تأثيرًا عليهم، أما إذا كانوا يعيشون في بيئة غير مستقرة فقد يؤثر الرفض بشكل أكبر”.

واستكملت حديثها عن تأثير البيئة الأسرية على المراهقين، قائلةً: “قد تشهد العلاقات العاطفية في هذه السن مشاكل ودراما نتيجة التأثيرات البيئية الأسرية، كما أنه قد يتعامل المراهق مع العلاقات السامة بناءً على ما تربّى عليه، ولتجنب العلاقات السامة أنصح بالتوازن بين الأخذ والعطاء، كما يجب على المراهق أن يدرك قيمته الشخصية من دون الحاجة إلى علاقات عاطفية، ويمكنه اكتشاف ذاته من خلال تنمية مهاراته الشخصية والاجتماعية”.

واختتمت حديثها بالإشارة إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على المراهقين، موضحة: “قد تدفعهم إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين؛ لذلك يجب توجيههم نحو تطوير أنفسهم بدلاً من الانشغال بالعلاقات العاطفية، ولتخطي مرحلة المراهقة بسلام يجب تعليم المراهقين أهمية التوازن بين جوانب الحياة المختلفة كالعائلة، والدين، والعاطفة، والعمل، وكذلك تشجيعهم على تطوير مهاراتهم وتحقيق أهدافهم بعيدًا عن الضغوط الاجتماعية”.تصفّح المقالات

Back To Top