«البعض ليسوا ملائكة».. جرائم يرتكبها مراهقون والنتيجة «خلف القضبان»

مدير مباحث الإنترنت الأسبق:”الجرائم الإلكترونية متزايدة بين المراهقين“.

تحقيق: كرستين ميلاد- دميانة غبريال- يوسف أشرف

رغم بشاعة الجرائم التي قد يرتكبها الأطفال والمراهقون ممن أقل من 18 عامًا، والتي تستوجب عقابهم بالسجن، فإن المؤسسات “الإصلاحية” في مصر تمارس دورها بعدالة بين العقاب والإصلاح والتأهيل، بعضهم ضحية الإهمال والفقر، وآخرون سقطوا في فخ الانحراف.

ويظل التساؤل مطروحًا، هل تكفي القوانين والتشريعات الحالية لردع المراهقين عن ارتكاب الجنح، أم أن هناك حاجة إلى نهج أكثر شمولًا يركز على التربية والتأهيل بدلًا من العقاب فقط؟.

“كنت أراقبهم منذ سنوات، فأنا جارتهم وأعرف كل تفاصيل حياتهم”.. هكذا بدأت (ن. خ)، جارة العائلة، حديثها عن مأساة انتهت بجريمة هزّت الحي بأكمله، ضحيتها فتى في الخامسة عشرة من عمره، والمتهم فيها ابن عمه، الذي يكبره بعام فقط.

كان الفتى محبوبًا، لا يتوانى عن مساعدة أحد، يجوب الحي على “تروسيكل”، يحمل الأغراض، ويُلبي النداء من دون تردد، أما ابن عمه فلم يلقَ المحبة ذاتها ولا الاهتمام، وهو ما لم يرُق لأمه.

“كنتُ أراها تنفث في أذنه كلامًا سامًا”، تقول الجارة “زرعت في نفسه مشاعر الغيرة من خلال مقارنته بابن عمه باستمرار، وتذكرته بأنه أقل شأنًا، وبلا قيمة، وأن الناس لا تراه كما يرون غيره، كلماتها، وإن بدت في ظاهرها حرصًا على تحفيزه، كانت في جوهرها بذورًا لحقدٍ نما في صمت”.

وأضافت: “جاء اليوم المشئوم، إذ استدرج الفتى ابن عمه إلى مكان خالٍ، بعيدًا عن الأنظار وقتل ابن عمه، ثم عاد وحده وشارك في البحث عنه، لكن الحقيقة لم تظل مخفية طويلًا، وكشفت كاميرات المراقبة بالشارع سره”.

“شعرتُ بالقشعريرة حين عرفت ما حدث”، استكملت الجارة: “لم يكن القاتل وحده من ارتكب الجريمة، بل كانت أمه شريكة، بكلماتها التي قتلت قبل أن تمتد يده إلى عنق ابن عمه، وسلمت لاحقًا الأسرة الجاني للشرطة، وخلال المحاكمة صدر الحكم ضده بالسجن لمدة 15 عامًا”.

عائلة مفككة

جريمة أخرى لا تقل بشاعة، إذ اعتدى طفل يبلغ من العمر 13 عامًا على ابنة عمه الصغيرة، وعمرها 7 سنوات، وروت صديقة والدة الفتاة (م. م) ما حدث، وقالت: “تذهب الأم للعمل يوميًا، وتترك ابنتها مع أولاد عمها بالمنزل نفسه، وعادةً ما يتشاجرون ثم يلعبون معًا مجددًا”.

وفي إحدى المرات، رأت الأم اتساخًا غير مألوف على ملابس ابنتها الداخلية، فسألتها عن سبب الاتساخ، وتابعت شاهدة العيان: “صمتت ابنتها وارتبكت، وبعد إلحاح روت الفتاة ما ارتكبه ابن عمها”.

وتابعت شاهدة العيان: “قالت الطفلة على الجريمة التي ارتكبها ابن عمها بدعوى اللعب معًا، وأنها المرة الرابعة التي يكرر معها هذه اللعبة، وكشفت تهديده لها بالقتل، واستغلاله لبراءتها وتعنيفها إذا أفشت سره، وذهبت الأم لأسرته للتأكد مما قالته ابنتها، وكان ردهم صادمًا، وقالوا لها: “إحنا ابننا ميعيبهوش حاجة، لمّي أنتِ بنتك”.

وقررت الأم بعدها اللجوء إلى القانون، وأضافت صديقتها: “ذهبت إلى مركز الشرطة، وقدمت بلاغًا ضد الطفل، وبعد تحويل الطفلة للطب الشرعي والكشف عليها، أكد التقرير صحة روايتها، وصدر حكم ضد الطفل بالسجن عامين، ويقضي المدة حاليًا”.

دوافع العنف

من جانبه، أكد الدكتور حسام الوسيمي، المعالج النفسي، رئيس قسم بحوث المجتمعات الحضرية والمدن الجديدة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، على أن العوامل الرئيسة التي تدفع المراهق إلى السلوك العنيف والانحراف تنقسم إلى عوامل اجتماعية ونفسية.

وتابع: “الأسرة مسئولة عن العوامل الاجتماعية لأنها الدافع الأساسي في تكوين شخصية المراهق، وأي سلوك منها ينعكس عليه بشكل مباشر، كنشأة الطفل في بيئة تفرط في التدليل مع ضعف في الرقابة، فإنه لا يدرك مفهوم الثواب والعقاب، ويعتاد على تلبية جميع مطالبه، وعند اصطدامه بالواقع الذي لا يمنحه الامتيازات ذاتها، قد يلجأ إلى العنف وارتكاب الجرائم لإشباع رغباته”.

دكتور حسام الوسيمي

وأوضح أنه “على الجانب الآخر، فإن الحرمان العاطفي والمادي الزائد يولّد شعورًا بالنقمة على المجتمع، مما قد يدفع المراهق إلى التمرد واتباع سلوكيات منحرفة، ويأتي تأثير المدرسة في المرتبة الثانية، وقد يتعرض المراهق بداخلها لخبرات صادمة، مثل التنمر أو الاعتداء، مما قد يدفعه إلى تبني سلوكيات إجرامية كرد فعل على ما تعرض له”.

وأضاف الوسيمي: “تلعب البيئة التي ينشأ فيها المراهق دورًا كبيرًا في تشكيل أفكاره، فإذا كانت تنظر إلى الشخص العنيف باعتباره نموذجًا للقوة والنجاح، فإن المراهق يكبر معتقدًا أنها الصورة الحقيقية للشخصية القوية”.

خطوات جادة

وعلى حد وصفه، فإن البيئة التي يعيش فيها الإنسان تؤثر بشكل كبير على سلوكه، مضيفًا: “اتخذت الدولة خطوات جادة لمعالجة هذه الظاهرة، من خلال القضاء على العشوائيات التي تعد بيئة خصبة لانتشار السلوكيات الخاطئة، وتوفير سكن ملائم بديل”.

ولفت المعالج النفسي إلى أن وسائل الإعلام قد تكون دافعًا إلى العنف، وقال: “تؤدي وسائل الإعلام دورًا خطيرًا في تشكيل وعي المراهقين، فإذا قدمت نماذج غير لائقة في صورة أبطال أو شخصيات محبوبة اجتماعيًا، فقد يتأثر بها المراهق ويقتدي بها”.

وأوضح: “من منظور التحليل النفسي، تنقسم الشخصية إلى ثلاثة مكونات رئيسة: “الهو”، و”الأنا”، و”الأنا الأعلى”، “الهو” يمثل الغرائز، وإذا طغى على الإنسان، فإنه يسعى للحصول على كل شيء بأي وسيلة ممكنة، و”الأنا الأعلى” يمثل الضمير والمبادئ الأخلاقية التي تحكم السلوك، و”الأنا” هي التي توازن بين الجانبين إذا كانت “الأنا الأعلى” ضعيفة، يصبح الشخص أكثر عرضة لارتكاب الجرائم، وتسيطر عليه غرائزه من دون وازع”.

كما أشار الدكتور حسام إلى أن هناك معتقدات اجتماعية ونفسية خاطئة تبرر للمراهقين أفعالهم، مثل الاعتقاد بأن “جميع الأغنياء لصوص لا يستحقون أموالهم”، أو أن “الله سيسامحني لأنني شخص طيب”، هذه الأفكار تمنح المراهق مبررات نفسية تدفعه إلى ارتكاب الجرائم من دون تأنيب ضمير.

وعن تبرير ارتكاب الجرائم بدافع الفقر أو الحاجة، قال المعالج النفسي: “هناك من يسرق بدافع الترفيه أو السعي للارتقاء في مكانة اجتماعية أعلى، أما المحتاجون الحقيقيون، فغالبًا ما يبحثون عن فرص عمل تمكنهم من العيش بكرامة بدلاً من اللجوء إلى الجريمة”.

وتطرق إلى الحديث عن التأهيل النفسي، لافتًا إلى أن “مصلحة الأحداث تضم معالجين وخبراء نفسيين لمتابعة سلوك المراهقين وتطور حالتهم، من خلال برامج نفسية واجتماعية، كما توفر تعليم الحِرَف المهنية واليدوية، إضافةً إلى إمكانية استكمال مسيرتهم التعليمية أثناء وجودهم داخل المؤسسة”.

وتأتي كل هذه الجهود في إطار سعي الدولة لضمان خروج المراهق أو الشاب من المصلحة مع تغيير ملحوظ في شخصيته، ووفقًا لقانون الطفل، فإن من هو أقل من الثانية عشرة من العمر لا يُحاسب كمجرم، بل يُعامل كطفل يحتاج إلى التقويم والتأهيل.

واختتم الدكتور حسام، حديثه بالتأكيد على أن “الوقاية من السلوك المنحرف تبدأ من الحب”، فالطفل الذي ينشأ في بيئة مليئة بالاهتمام والدعم النفسي في المنزل والمدرسة والمجتمع، سيصبح مراهقًا سويًا وواعيًا.

جرائم إلكترونية

وأفاد اللواء علي أباظة، مدير مباحث الإنترنت الأسبق بوزارة الداخلية، مساعد وزير الداخلية الأسبق، بأن أبرز الجرائم الإلكترونية التي يرتكبها المراهقون تشمل: الابتزاز، والتحرش، والاختراق، والنصب، والسب والقذف، وإساءة استخدام التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال.

وقال: “تسعى الدولة لمعالجة هذه الظاهرة من خلال إصدار القوانين والرقابة المستمرة على مواقع التواصل الاجتماعي، نظرًا لدورها الكبير في نشأة مثل هذه الجرائم”.

اللواء علي أباظة

وأشار إلى أهمية التربية الرقمية، التي تهدف إلى حماية المستخدمين من مخاطر التقنيات الحديثة، مؤكدًا ضرورة إدراجها كمادة تعليمية في المراحل الدراسية المختلفة، فمع تكرار الجرائم الإلكترونية، تبيّن أن الأخطاء الشائعة التي يقع فيها المراهقون وتدفعهم إلى ارتكاب الجرائم تشمل قبول صداقات من مجهولين، وفتح رسائل تحتوي على روابط غير آمنة، وعدم تأمين المعلومات والحسابات، وتبادل محادثات أو صور غير لائقة، والدخول إلى مواقع إباحية.

وأكد “أباظة”، أن الوقاية تعتمد على التوعية المستمرة ورقابة الأهالي لأبنائهم وتوعيتهم أثناء استخدامهم الإنترنت، من خلال تحذيرهم من المخاطر واستخدام برامج الرقابة الأبوية.

وفيما يتعلق بالعقوبات، أوضح أن جميع الجرائم يُعاقب عليها بالسجن أو الحبس عدا الإعدام، مشيرًا إلى أن هدف الدولة ليس معاقبة المراهق كالبالغ، بل إعادة تأهيله وتهذيبه داخل مصلحة الأحداث، لمنحه فرصة جديدة لاكتشاف نفسه وتصحيح مساره.

وأشار إلى أن الدولة تنظم حملات توعوية مستمرة عبر الندوات ووسائل الإعلام، مع التأكيد على أهمية متابعة الأسرة لاستخدام أطفالها ومراهقيها للإنترنت، ووضع ضوابط تحميهم، مثل: عدم مشاركة كلمات السر، وتحديد من يمكنه الوصول إلى الحسابات الشخصية.

 بين الإصلاح والعقاب

“يجمع قانون الأحداث بين الإصلاح والعقاب، وبين الحاجة إلى التأهيل وضرورة الردع”، هكذا وصف المستشار أحمد يحيى، المحامي بالنقض والإدارية العليا  ، قانون الأحداث، متابعًا: “عند إلقاء القبض على حدث متهم بجريمة، يلتزم القانون بإجراءات خاصة تضمن حقوقه وتحميه من التأثيرات السلبية”.

واستكمل حديثه: “يتم استدعاء ولي أمره فورًا، ويُحقق معه أمام نيابة الأحداث وليس النيابة العادية، مع منعه من الاحتجاز مع البالغين تجنبًا لأي تأثير سلبي، وتقرر المحكمة العقوبة أو التدابير الإصلاحية المناسبة وفقًا لملابسات القضية”.

وعلى حد وصفه، يختلف التعامل القانوني مع الأحداث عن البالغين، ويخضعون لنظام قضائي خاص، وعقوباتهم غالبًا ما تكون أقل، ليس تهاونًا بالجريمة، ولكن لأن القانون يعتبرهم في مرحلة التكوين، مما يمنحهم فرصة للإصلاح قبل أن يتحولوا إلى مجرمين.

المستشار أحمد يحيي

وأضاف المحامي بالنقض، أنه رغم أن الهدف الأساسي لدور الرعاية والمؤسسات الإصلاحية هو التأهيل وإعادة دمج الأحداث في المجتمع، فإن الواقع يشير إلى أن بعضها يحتاج إلى إصلاح قبل أن تتمكن من إصلاح النزلاء، لافتًا إلى وجود مؤسسات تقدم برامج تعليمية وتأهيلية فاعلة، لكن البعض الآخر يكتفي بالاحتجاز من دون أي تطوير حقيقي، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة بدلاً من حلها.

وأوضح: “لا يكمن الحل في العقوبات، فالقانون وحده ليس كافيًا، ولا بد من حلول مجتمعية متكاملة تشمل التوعية القانونية، ودعم الأسر، وتحسين أوضاع التعليم، وتوفير أنشطة بديلة للأطفال والشباب، فغياب هذه العوامل يجعل الشارع هو المدرسة الحقيقية لهم، والعقوبات الرادعة ضرورية في بعض الجرائم، لكن التأهيل الفعلي هو الأهم، فبدلًا من إنتاج مجرمين جدد داخل السجون، يجب العمل على تقليل احتمالية عودتهم للجريمة بعد خروجهم”.

وحذر من التغطية الإعلامية لجرائم المراهقين والأطفال، واختتم حديثه بأن التعامل مع الأحداث المتهمين ليس مجرد قضية قانونية، بل شأن مجتمعي يحتاج إلى تكاتف الجميع، من الأسرة إلى المؤسسات القانونية والتعليمية، مشيرًا إلى أهمية أن تشمل التعديلات القانونية المقترحة تشديد العقوبات في الجرائم العنيفة من دون إلغاء فكرة الإصلاح، وإدخال التوعية القانونية ضمن المناهج الدراسية حتى يدرك الأطفال منذ الصغر الفرق بين الصحيح والخطأ قانونيًا”.

Back To Top