⅓ المراهقين في طريقهم للإصابة بالسمنة

الطب النفسي : الأكل العاطفي من أمراض العصر الحديث

• تقرير: نور محمد

تسبب تغير نمط الحياة المتسارع وانتشار التكنولوجيا، في اتباع العديد من المراهقين لعادات غير صحية، إذ حذرت دراسة حديثة منشورة بمجلة “لانسيت” من ارتفاع معدلات السمنة بين المراهقين على مستوى العالم بحلول عام 2050، وأشارت نتائجها إلى أن ثلث الأطفال والمراهقين سيعانون من السمنة، وتعد الإصابة بالسمنة نتيجة للتخلي عن مثلث الحياة الصحية (النوم – الغذاء الصحي – ممارسة الرياضة) .

تلعب العادات الغذائية دورًا محوريًا في صحة المراهقين، إذ تؤثر على نموهم الجسدي والعقلي، وفى ذلك الإطار، قال الدكتور محمد حسن، أخصائي التغذية العلاجية، إن تبني أسلوب حياة صحي منذ سن مبكرة يساعد في الوقاية من الأمراض المزمنة، ويعزز جودة الحياة على المدى الطويل.

وأضاف ” تعد فترة المراهقة مرحلة مهمة في حياة الإنسان؛ لأنها تشهد تغيرات جسدية وعقلية تتطلب تغذية متوازنة لدعم النمو السليم، إلا أن الكثير من المراهقين يعتمدون على أنماط غذائية غير صحية بسبب الضغط الدراسي، وتأثير الأقران، وسهولة الوصول إلى الأطعمة السريعة، مما قد يؤثر على صحتهم على المدى القريب والبعيد”.

وعن أهمية الوجبات، أوضح أن “وجبة الإفطار تعد الأساس ليوم صحي، لأنها توفر الطاقة اللازمة للتركيز والأداء المدرسي، لكن العديد من المراهقين يهملونها بسبب ضيق الوقت أو فقدان الشهية صباحًا؛ مما يؤدي إلى نقص الطاقة والشعور بالتعب خلال اليوم، ويُفضلون الأطعمة السريعة مثل: “البرجر، والبيتزا، والشاورما”، نظرًا لطعمها اللذيذ وسهولة الحصول عليها”.

وعن تأثير هذه الوجبات، أضاف أنها تحتوي على نسب عالية من الدهون المشبعة والسعرات الحرارية، مما يزيد من خطر السمنة وأمراض القلب، وتُعد المشروبات الغازية والعصائر المحلاة مصدرًا رئيسًا للسكريات المضافة، مما يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالسمنة، ومقاومة الأنسولين، ومرض السكري من النوع الثاني.

واستكمل حديثه عن أطعمة المراهقين، قائلاً: “يتناول العديد من المراهقين أطعمة غير متوازنة تفتقر إلى العناصر الغذائية الأساسية مثل الفواكه والخضروات؛ مما يؤدي إلى نقص الفيتامينات والمعادن، وضعف المناعة، وقلة النشاط البدني”.

وحذر من استبدال الماء بالمشروبات السكرية نظرًا لآثارها الضارة مثل الإصابة بالجفاف، وانخفاض مستويات الطاقة والتركيز، مناشدًا بتناول من 8 إلى 10 أكواب من الماء يوميًا؛ للحفاظ على ترطيب الجسم، محذرًا من أن تناول الطعام قبل النوم يساهم في تخزين الدهون وزيادة الوزن، ويسبب مشاكل هضمية مثل الانتفاخ وعسر الهضم، ولهذا يُفضل تناول العشاء قبل النوم بساعتين على الأقل.

تأثيرات صحية

تطرق إلى تأثير العادات الغذائية الخاطئة، قائلاً : ” تؤدي على المدى القريب إلى زيادة الوزن والسمنة نتيجة تناول سعرات حرارية زائدة، وانخفاض مستوى الطاقة والتركيز؛ مما يؤثر على الأداء الدراسي، وضعف جهاز المناعة، ويجعل المراهق أكثر عرضة للأمراض، أما على المدى البعيد فتتطور إلى ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة احتمالية الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، والإصابة بمشاكل في العظام والأسنان نتيجة نقص الكالسيوم والفيتامينات”.

وتابع : “من الممكن تشجيع المراهقين على الأكل الصحي من خلال التوعية، وتوفير بدائل مثل البرجر المشوي والبيتزا بحبوب كاملة، وخلق بيئة غذائية متوازنة في المنزل، والحرص على تقليل الوجبات السريعة، وتحفيزهم على الطهي المنزلي مع ممارسة الرياضة بانتظام، وهناك بدائل مثل: البطاطس المشوية، والشوكولاتة الداكنة التي تعزز العادات الصحية”.

وأشار إلى أزمة أخرى، وهي تأثير سوء التغذية على مستويات الطاقة والتركيز، مضيفًا “تؤثر سلبًا لأن الوجبات غير المتوازنة تؤدي إلى الشعور بالإرهاق، ويسبب استهلاك السكريات المضافة تقلبات حادة في مستوى السكر في الدم، ويظهر ذلك على الأداء الذهني كعدم الحفاظ على التركيز”.

ونصح بتناول عدة أطعمة، مثل: الأسماك الدهنية الغنية بالأوميجا 3 التي تدعم صحة الدماغ، والمكسرات التي تحتوي على “فيتامين A” الذي يعزز قوة الذاكرة، والتوت والفراولة، حيث يحسنان صحة الدماغ بمضادات الأكسدة، أيضًا الأفوكادو يساعد على تحسين تدفق الدم إلى الدماغ، والشوكولاتة الداكنة التي تعزز التركيز والانتباه.

ولفت إلى أهمية ممارسة الرياضة للحفاظ على صحة المراهقين، قائلًا: “أنصح باتباع نظام غذائي صحي مع ممارسة الرياضة بانتظام؛ لأنها أمر أساسي للحفاظ على صحة المراهقين، وتوفر التغذية السليمة الطاقة اللازمة للنشاط البدني، وتساعد الرياضة في تحسين اللياقة البدنية والصحة النفسية، ومن أهم طرق تحفيز المراهقين على ممارسة الرياضة اختيار الرياضة التي يفضلونها مثل: السباحة، وكرة القدم، أو المشي، وتشجيع الأنشطة الرياضية الجماعية مع الأصدقاء والعائلة”.

واختتم حديثه، بالتأكيد على أهمية الأنظمة الغذائية الصحية للمراهقين، مثل: النظام المتوازن، والذي يعتمد على تناول جميع العناصر الغذائية بكميات معتدلة، ونظام البحر الأبيض المتوسط حيث يشمل الفواكه والخضروات والأسماك وزيت الزيتون، ونظام DASH الذي يركز على تقليل استهلاك الملح للحفاظ على صحة القلب، والنظام النباتي، ويعتمد على الأطعمة النباتية مع تعويض البروتين، وأخيرًا نظام الصيام المتقطع الذي يساعد في تنظيم الشهية وتحسين الصحة العامة.

الطعام والحالة النفسية

على صعيد آخر، تؤثر العادات الصحية الخاطئة للمراهقين بشكل كبير على حالتهم النفسية، وفي هذا الصدد تحدث الدكتور عمر عبد الله، أخصائي العلاج النفسي للمراهقين والراشدين، قائلاً: “تلعب العوامل النفسية والاجتماعية دورًا أساسيًا في تشكيل سلوكياتهم اليومية؛ مما يؤدي إلى مشكلات صحية ونفسية”.

وأوضح “يلجأ المراهقون إلى الوجبات السريعة بسبب “الأكل العاطفي”؛ لأنها تمنحهم متعة فورية عبر تحفيز إفراز “الدوبامين”، كما تروج الإعلانات لهذه الأطعمة بربطها بالمتعة والتواصل الاجتماعي، أما قلة النشاط البدني فتنتج عن الضغوط الدراسية والعائلية التي تقلل الحماس للحركة”.

وتابع “عبدالله”، “يؤدي التوتر إلى زيادة هرمون “الكورتيزول” مما يسبب الإرهاق، والسهر أيضًا من العادات المنتشرة بسبب التغيرات الهرمونية التي تؤخر الساعة البيولوجية، إضافةً إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وارتباط إدمان الهواتف الذكية بالحاجة إلى المكافأة الفورية، إذ تحفز الإشعارات الدماغ بطريقة إدمانية”.

وعلى حد قوله، فإن المراهقين يفضلون المشروبات السكرية لأنها تمنحهم طاقة سريعة لكنها تتسبب في تقلبات المزاج وزيادة الوزن، مضيفًا أن الضغوط الاجتماعية تلعب دورًا في تجربة التدخين والمخدرات حيث يسعى المراهقون للقبول الاجتماعي أو الهروب من التوتر، وتؤدي هذه العادات الخاطئة إلى اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب؛ لأن قلة النوم تتسبب في ارتفاع الكورتيزول، ويؤثر سوء التغذية على كيمياء الدماغ، كما تؤثر على الأداء الدراسي عبر ضعف التركيز والذاكرة، أما عاطفيًا فتزيد قلة النوم من الاندفاعية والتوتر مما يؤدي إلى عزلة اجتماعية.

ونصح أخصائي العلاج النفسي للمراهقين والراشدين، بإجراء تغييرات تدريجية مثل النوم المبكر، وتقليل وقت استخدام الهواتف، وتشجيع الأنشطة الجماعية لتعزيز الصحة النفسية، لافتا إلى أهمية تدخل الأهل في الحالات الشديدة مثل ظهور علامات كالعزلة أو اضطرابات الأكل، لأن معالجة العادات الخاطئة تتطلب دعم الأهل والمجتمع لتعزيز الوعي الصحي، ومساعدة المراهقين على تحقيق توازن صحي في حياتهم.

ونصح “عمر” المراهقين ببعض النصائح لتطوير مهارات إدارة الوقت، وتقليل التوتر المرتبط بالواجبات المدرسية والأنشطة اليومية قائلًا : قم بجدولة مهامك اليومية أو الأسبوعية باستخدام تطبيق على الهاتف أو بطريقة تقليدية بالورقة والقلم ، حدّد أولوياتك وركّز على المهام الضرورية مثل : الواجبات المدرسية أو التحضير للاختبارات، ثم قم بترتيب الأنشطة الأخرى وفق أهميتها، وقسّم المهام الكبيرة إلى أجزاء أصغر إذا كان لديك مشروع كبير أو مادة دراسية مكثفة، وقم بتقسيمها إلى مهام أصغر لتسهيل الإنجاز، إكمال كل جزء صغير يمنحك إحساسًا بالإنجاز ويقلل من شعورك بالإرهاق والتوتر.

استخدام تقنية “بومودورو” لزيادة الإنتاجية، اعمل لمدة 25 دقيقة متواصلة، ثم خذ استراحة قصيرة لمدة 5 دقائق، بعد أربع دورات من العمل، خذ استراحة أطول (من 15 إلى 30 دقيقة) هذه التقنية تساعدك على التركيز من دون الشعور بالإرهاق، التعامل مع التوتر باستخدام تمارين التنفس والاسترخاء.

عند الشعور بالقلق، جرب تمارين التنفس العميق: خذ نفسًا عميقًا من أنفك واحبسه لمدة 4 ثوانٍ ثم أخرجه ببطء لمدة 6 ثوانٍ، كرر التمرين عدة مرات حتى تشعر بالاسترخاء، ويمكن أيضًا ممارسة تمارين التأمل أو المشي لمدة قصيرة لتصفية الذهن.

تخصيص وقت للراحة والنوم الجيد، احرص على أخذ فترات راحة قصيرة أثناء الدراسة، حيث يساعد ذلك في الحفاظ على مستوى تركيزك، احصل على ساعات نوم كافية لأن قلة النوم تؤثر على التركيز والذاكرة، وحاول تقليل استخدام الهاتف أو أي أجهزة إلكترونية قبل النوم بساعتين لضمان نوم مريح وعميق.

تأثير الدعم الاسري

الموازنة بين تلبية احتياجاتهم وعدم المنع هي مهمة تباشرها الأسرة، وتحدث مصطفى يونس، ولي أمر مراهق عن تجربته مع ابنه، قائلًا إنه يحرص على توفير طعام صحي لابنه لكنه يفضل أحيانًا الوجبات السريعة مثل: “البيتزا، والنودلز”.

وتابع أنه لم يتخلَ عن دوره في تشجيعه على ممارسة الرياضة بانتظام، قائلاً: “يتدرب مرتين أسبوعيًا، لكن لاحظت أن استخدامه للأجهزة الإلكترونية قد يُقلل من نشاطه، ورغم ذلك أحاول دائمًا وضع قواعد لتنظيم وقت استخدامه للهاتف ومتابعة نومه، إذ ينام بعد الواحدة صباحًا”.

ولفت إلى أن النوم متأخرًا يؤثر أحيانًا على تركيزه الدراسي، متابعًا “أنظم العادات الصحية لديه، وأتحدث إليه عن مخاطر التدخين والمواد الضارة، ورغم مواجهتي صعوبات في تغيير بعض عاداته، لكن أستمر في نصحه وتوجيهه، وأرى أنها ليست مهمتي وحدي، فالإعلام يمكن أن يساعد في توعية الشباب بنمط حياة صحي”.

Back To Top