الأخصائية النفسية د. فاطمة نجيب:”مرحلة الطفولة أساس شخصية المراهق“
• حوار : منة الله احمد – أنس عاصم – محمد رجب
تتأثر مرحلة المراهقة بالعديد من العوامل النفسية والمجتمعية، ولأن التعامل مع هذه المرحلة يتطلب وعيًا عميقًا بأسس التربية والتوجيه النفسي، أجرينا هذا الحوار مع الأخصائية النفسية الدكتورة فاطمة نجيب الحاصلة على ليسانس آداب علم نفس من جامعة عين شمس، ودبلوم في الإرشاد النفسي والعلاج الإكلينيكي.
وتحدثنا معها عن تأثير الصحة النفسية في الطفولة على تكوين المراهق، وأبرز التحديات التي تواجه الأهل، مع تقديم عدة نصائح علمية لتربية متوازنة وبناء الثقة والاستقرار النفسي لدى الأبناء. وإلى نص الحوار..
كيف تؤثر الصحة النفسية في الطفولة على تكوين المراهق بشكل عام؟
إنها تؤثر بشكل كبير، الطفولة هي الأساس الذي تُبنَى عليه شخصية الإنسان، إذا كانت الطفولة مليئة بالعنف أو القسوة المفرطة من الوالدين، فقد يتعرض الطفل لاحقًا لمشكلات نفسية مثل الوسواس القهري أو الاكتئاب، وقد يصل الأمر إلى إيذاء النفس.. أما بالنسبة إلى البنات فقد تكون النتيجة الإصابة باضطراب الشخصية الحدّية.
في المقابل إذا كانت الطفولة مليئة بالدلال المفرط فقد يصبح المراهق مشاغبًا وغير مسئول، مما قد يدفعه إلى تجربة أشياء خطيرة مثل الإدمان لذلك يجب أن تكون التربية متوازنة تجمع بين الحزم والمرونة، لأن الطفولة ليست مرحلة يمكن تصحيحها لاحقًا بسهولة.
ما الطريقة المثالية للتعامل مع الطفل في مرحلة الطفولة؟
التوازن هو المفتاح، يجب الجمع بين الحزم والمرونة، ووضع قواعد محددة داخل الأسرة، مع تخصيص وقت للنقاش مع الطفل والإجابة عن أسئلته مهما بدت غريبة، وأن تكون الإجابات ملائمة لعمر الطفل ومستوى فهمه.
كذلك من الضروري الالتزام بمبدأ الثواب والعقاب؛ إذا وعدنا الطفل بمكافأة أو عقاب يجب تنفيذ ذلك؛ لأن الالتزام بالوعود يعزز المصداقية ويبني الثقة بين الطفل ووالديه.
كيف يمكن التعامل مع الطفل في حالة العناد أو الإلحاح؟
العناد والإلحاح سلوكان طبيعيان عند الأطفال، لكن يجب أن يتحلى الوالدان بالصبر، وألا يستسلما لمطالب الطفل بسهولة، إذا وجد الطفل أن العناد يحقق له ما يريد فسيستمر في هذا السلوك، أما الضرب فلا يُنصح به لأنه قد يؤدي إلى نتائج عكسية، إما أن يصبح الطفل جبانًا وضعيف الشخصية، وإما يتحول إلى شخص عنيف، الحل الأفضل هو التحدث مع الطفل، وشرح الأسباب التي تمنع تحقيق طلبه بأسلوب منطقي يتناسب مع مستوى فهمه.
كيف يمكن للأهل تعزيز الثقة بين الطفل ووالديه؟
بناء الثقة يتطلب أن يكون كلام الأهل متسقًا مع أفعالهم، إذا وعد الوالدان الطفل بشيء فيجب الالتزام به، كما أن التعبير عن الحب ضروري جدًّا سواء بالكلمات الطيبة أو العناق أو الهدايا الرمزية، ومن المهم تجنب مقارنة الطفل بالآخرين؛ لأن ذلك يضعف ثقته بنفسه، ويشعره بعدم الأهمية.
كيف يتغير الشخص في مرحلة المراهقة؟
المراهقة تُعرف بـ”المرحلة المتفجرة”، حيث تحدث تغيرات جسدية وعاطفية كبيرة، ويبدأ المراهق في الشعور بأنه أصبح ناضجًا، لكنه في الوقت نفسه يعيش حالة من التردد بين الطفولة والنضج؛ فهو يرى نفسه ناضجًا عندما ينظر إلى المرآة لكنه ما زال يحمل أفكارًا طفولية.
هذه المرحلة غالبًا ما تكون مصحوبة بالتمرد، حيث يميل المراهق إلى تجربة أشياء جديدة ورفض النصائح، التمرد قد يكون إيجابيًا كالتوجه نحو الالتزام الديني، أو سلبيًا مثل الانغماس في سلوكيات مرفوضة اجتماعيًا.
هل يتأثر المراهق بشخصيات من حوله كما في مرحلة الطفولة؟
نعم، لكن تأثير القدوة في مرحلة المراهقة يكون أكثر وضوحًا، فالمراهق يحتاج إلى نموذج يُعجب به ويقلّده، سواء كان شخصية عامة أو فردًا من الأسرة، لذلك يجب أن يكون هذا النموذج إيجابيًا ويعكس قيمًا بناءة.
لماذا يمتلك المراهق ميولًا مفرطة للجنس الآخر أو مشاعر عاطفية قوية؟
المراهقة هي فترة تفجّر المشاعر، يبدأ المراهق في استكشاف عالم العلاقات العاطفية كجزء من محاولته إثبات نضجه، وإذا أشبع الأهل احتياجاته العاطفية وشعر بالحب والاهتمام داخل الأسرة؛ فلن يبحث عن ذلك خارجيًا.
ما الأمراض النفسية الشائعة بين المراهقين في هذه المرحلة؟
أكثر الأمراض شيوعًا هو الاكتئاب الذي قد يكون عرضيًا أو مرضيًا، ومن علاماته اضطرابات الشهية والنوم وإهمال النظافة الشخصية وتغيّرات في السلوك وغير ذلك.
ومنها أيضا اضطراب الشخصية الحدّية وهو شائع بين الفتيات حيث يعانين من تقلبات عاطفية شديدة قد تصل إلى إيذاء النفس مثل جرح اليد لتحويل الألم النفسي إلى ألم جسدي، وكذلك الوسواس القهري الذي قد يظهر في صورة وساوس متكررة أو سلوكيات قهرية.
بمَ تنصحين الآباء والأمهات للتعامل مع أبنائهم في مرحلة المراهقة؟
على الأهل معاملة المراهق بهدوء واحتواء، مع محاولة تجنبه اتخاذ قرارات مصيرية قد يندم عليها لاحقًا بسبب مشاعره المضطربة.
يجب أن يقدم الأهل تقبلًا غير مشروط للمراهق مع التوجيه المستمر ووضع حدود واضحة، المراهق غالبًا ما يبحث عن الاهتمام؛ فإذا اشتكى من شيء يعاني منه، فهذا ليس بغرض الادعاء أو التمثيل، بل تعبير عن حاجته للاهتمام.
لذلك يجب تجنب اللامبالاة أو التقليل من شكواه، والأهم هو تفهّم احتياجات المراهق العاطفية، وعدم التقليل منها أو رفضها مع توجيهه بأسلوب مناسب، وتوفير الدعم المعنوي والنفسي؛ مما يجعله غير مضطر للبحث عن مصدر خارجي للتعويض عن نقص المشاعر والاهتمام.
