د. إلهام شاهين: “المؤسسة الدينية ليست ضعيفة وهناك من يحاول هدمها”

• تقرير- رضوى النوبي

يمثل الدين أحد أهم الركائز الأساسية التي تسهم في تشكيل شخصية المراهق وتوجيه سلوكه، فهو منظومة من القيم والمبادئ التي تساعده على فهم الحياة والتعامل مع التحديات المختلفة، ولكن مع ظهور التغيرات الكبيرة في أنماط الحياة، أثرعلى نظرة الشباب والمراهقين للكثير من الأمور، ومن بينها الدين، وغياب دوره لدى البعض في سن النشء، مما يثير تساؤلات حول سبب وتأثير هذه التغيرات على سلوكيات المراهقين وتكوين هويتهم، وتوجيهات الإسلام في التربية.

يبحث المراهق عن هويته ويواجه الكثير من التغيرات الفكرية والعاطفية، وهنا يأتي دور الدين في منحه التوازن النفسي والاستقرار الأخلاقي.

وقال الشيخ والداعية الإسلامي، حسن البرقي : ” مصطلح “مراهق” يشير إلى الشخص الذي يرهق نفسه و أسرته خلال هذه المرحلة العمرية، أو الذي يتطلب جهدًا مضاعفاً لإقناعه وتوجيهه وأكد أن الحل يكمن في التربية السليمة منذ الصغر، حيث شبهها بالنقش على الحجر، مشيراً إلى أن ما يتعلمه الطفل في سنواته الأولى يرسخ في شخصيته ويؤثر على سلوكه في مرحلة المراهقة وما بعدها.

وأضاف الشيخ البرقى مستشهداً بقول النبي صلى الله عليه وسلم “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر” وأشار إلى أن هذا الحديث النبوي دليل قاطع على أهمية غرس القيم الدينية في نفوس الأبناء منذ نعومة أظفارهم .

 وشدد على أن إهمال التربية في الصغر يؤدي إلى نتائج عكسية في الكبر، حيث يواجه الأهل تمرداً وصعوبة في التعامل مع أبنائهم، لأن الأساس الذي يُبنى عليه شخصية الأبناء لم يكن سليمًا منذ البداية.

غياب التوجيه

من جانبها أوضحت الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية لشئون الواعظات د إلهام شاهين، أن ابتعاد المراهقين عن الدين يترك لديهم تساؤلات لايجدون لها إجابات مما يدفعهم للبحث عن مصادر أخرى قد تكون مضللة وغير موثوقة  

وأضافت أن بعض أولياء الأمور يرون أن التوعية الدينية للمراهقين أصبحت غير كافية وأن هناك تقصيرا في غرس القيم والمفاهيم الدينية بطريقة تتناسب مع العصر وتفكير الشباب.

وأشار إلى أن المسؤولية لا تقتصر على المؤسسات التعليمية فقط بل تشمل الأسرة ووسائل الإعلام التي لم تعد تقدم محتوى دينياً جذابا للشباب.

ولمعرفة أسباب ابتعاد الشباب عن الدين، تحدثنا مع مي حسن فتاة في سن المراهقة التي أوضحت أن المحتوى الديني الحالي لا يجذبهم وأنه يقدم بطريقة تقليدية وجامدة بعيدة عن اهتمامتهم  و حياتهم اليومية وأن الخطاب الديني يركز على التلقين بدلاً من الشرح مما يفقدهم الحماس للاستمتاع والتعلم.

التحديات والعقبات

ترى هبة محمود، إحدى أولياء الأمور، أن التحدي الأكبر في توعية الأبناء دينيًا يكمن في تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، التي أحيانًا ما تزودهم بمعلومات خاطئة تشوه فهمهم للدين. وأكدت على سعيها الدائم لتكون المصدر الرئيسي لمعرفتهم الدينية، إيمانًا منها بأن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الأسرة، وأن دور المدرسة يظل محدودًا.

كما أشارت إلى أن الطرق التقليدية في التوعية الدينية لم تعد مجدية، وأن الأطفال والمراهقين بحاجة إلى أساليب مبتكرة تناسب طريقة تفكيرهم وتجذب انتباههم. ولهذا، تحرص على سرد قصص الأنبياء وتعريفهم بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، ليكونوا قدوة لهم في حياتهم. وأضافت أن قلة التوعية الدينية يؤثر سلباً على أخلاقهم، لأن الدين ليس مجرد تعاليم، بل هو نمط حياة متكامل.

من جهتها، أوضحت بسملة محمد، فتاة في سن المراهقة، أن معلوماتها الدينية تستقيها من مصادر متعددة، حيث تتعلم المبادئ والقيم من والدتها، وتكتسب جزءًا منها في المدرسة، ولكن الجزء الأكبر تستمده من الأسرة. وأشارت إلى أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على فهمها للدين متباين، حيث توجد معلومات صحيحة وأخرى خاطئة، لأن السوشيال ميديا مليئة بالمحتوى غير الدقيق، مما يجعل التمييز بين الصواب والخطأ صعبًا. وتحدثت عن التناقض بين ما تتعلمه في المنزل وما تراه في المجتمع، قائلة: “بالتأكيد، هناك مبادئ كثيرة تربيت عليها في المنزل، لكنني أرى عكسها في الخارج. وأعتقد أن السبب يعود إلى تقصير بعض الأسر والبيئة المحيطة، إضافة إلى التأثر بالدول الأخرى والرغبة في التقليد، حيث أصبح البعض يهتمون بالموضة أكثر من الدين دون أن يكون للدين اعتبار في اختياراتهم.

المؤسسات والبرامج

واصلت الدكتورة إلهام شاهين حديثها عن المؤسسات الدينية، مشيرة إلى أن إمكاناتها محدودة مقارنة بالجهات الأخرى، وأنها بحاجة إلى دعم أكبر وتوفير إمكانات أكثر فعالية.

وأوضحت أن المؤسسات الدينية تفتقر إلى الوسائل الحديثة لجذب المراهقين، مثل القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية المتطورة، مما يؤدي إلى عدم وصولها إلى شريحة واسعة من الشباب. وأكدت أن المؤسسات الدينية، وخاصة في المجال الإعلامي، بحاجة إلى دعم كبير، وأنها رغم ذلك تبذل قصارى جهدها. وأشارت إلى أن الأخلاق لا تتحقق فقط بالتوجيه، بل تتطلب تضافر جهود الأسرة والمدرسة والمؤسسات التعليمية والأجهزة الإعلامية.

أثناء اجراء الحوار مع الدكتورة إلهام شاهين

ودافعت عن المؤسسات الدينية، مؤكدة أنه لا يجوز إلقاء اللوم عليها وحدها، وأن التغيير لن يتحقق إلا بتكاتف جميع المؤسسات وتوحيد رسالتها. وحذرت من محاولات هدم عمل المؤسسات الدينية، مشيرة إلى أن بعض الجهات تنشئ صفحات هزلية على وسائل التواصل الاجتماعي لتقويض جهودها وإضعافها. وأكدت أن المؤسسات الدينية ليست ضعيفة، بل تحتاج إلى الدعم والتطوير.

وأضافت أن هناك محاولات لتشويه عمل المؤسسات الدينية، وأن بعض المؤسسات الأخرى، مثل الأسرة والإعلام، لا تقوم بدورها كما ينبغي. وشددت على أهمية دور الأسرة في تقديم القدوة الحسنة للأبناء، وأن تكون نموذجًا لهم في القول والعمل. وأكدت أنه إذا لم يجد المراهق هذه القدوة في بيته، فسيبحث عنها في الخارج، مما قد يؤدي إلى نتائج كارثية.”

قصور المناهج الدراسية

أشار الشيخ حسن البرقي إلى وجود قصور في الاهتمام بالجانب الديني في المناهج الدراسية، مؤكدًا على ضرورة تخصيص حيز أكبر للمواد الدينية، ودمجها ضمن المواد الأساسية، وتخصيص درجات عالية لها، واعتبارها مادة رسوب ونجاح، حتى ولو بقدر بسيط.

وأضاف أن إشراف الأزهر على المناهج الدينية قد يكون خطوة إيجابية لضمان تقديم محتوى وسطي ومتوازن، بعيدًا عن التطرف أو التفريط، ولكن الأهم أن يكون ذلك جزءًا من منظومة متكاملة تشمل الأسرة والإعلام، لأن التعليم وحده لا يكفي

غزو القيم

حذر الشيخ حسن البرقي من خطورة وسائل التواصل الاجتماعي، واصفًا إياها بـ”الغزو الخفي” الذي يمحو قيم ومبادئ الشباب. وأكد أنها تؤثر سلبًا على المراهقين دينيًا وأخلاقيًا، وتستغل صغر سنهم وقلة خبرتهم.

ودعا إلى ضرورة التصدي لهذه الظاهرة بفرض رقابة صارمة على استخدام الأطفال للهواتف المحمولة، وتقييد حريتهم في تصفح المحتويات. وشبه تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بتأثير “السكين التي تقطع شريان القيم والأخلاق”.

وأشار إلى أن مشاهدة المحتويات غير اللائقة تؤدي إلى تراجع الوعي الديني والأخلاقي، مما يستدعي تكاتف جهود الأهل والمسؤولين لحماية الأبناء.

أسس التربية

أكد الشيخ حسن البرقي على أهمية تنوع أساليب التربية حسب المرحلة العمرية، فالطفل يحتاج للعب والمزاح، بينما يحتاج المراهق للاحترام والتقدير. وشدد على رفض العنف والإهانة، وأهمية تقديم النصيحة الموجزة في الوقت المناسب.

وأوضح أن الاحترام المتبادل أساس التربية، مستشهدًا بتقدير النبي صلى الله عليه وسلم لشباب الصحابة. كما حذر من إهمال الأهل لمسؤوليتهم في تربية الأبناء، مؤكدًا أن ذلك من أعظم الأخطاء، وضرورة استخدام أساليب تربية حديثة تتناسب مع وسائل التواصل الاجتماعي.

ونصح الآباء والأمهات بتطبيق وصية الرسول صلى الله عليه وسلم “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”، مؤكدًا على مسؤولية الأب في تربية أبنائه تربية صالحة، وأن إهمالهم والتقصير في رعايتهم من أعظم الأخطاء التي قد يرتكبها الوالدان، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم “كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول”.

Back To Top