• تقرير – فرحة محمد
يقع الكثير من أولياء الأمور في فخ “المقارنة المستمرة” بين ابنهم ومن حوله؛ أملاً في أن يقدم أفضل ما لديه، وإيمانًا بأنها قد تحقق نجاحًا، في حين كشفت تجارب بعض أولياء الأمور وآراء خبراء الطب النفسي، عن التأثير الحقيقي لطريقة المقارنة في التربية وتحقيقها نتائج عكسية، وتأثيرها على نفسية الأبناء والتي قد تصيبهم بأمراض نفسية على المدى الطويل.
“أنا لا أقلل من ابني، كل ما أريده هو تحفيزه، وعندما يرى مستوى قريبه المتقدم يتحمس ويصبح مثله”. من هذا المنطلق عبّرت نادية حسن، والدة ثلاثة أبناء، عن مبدئها في تربية ابنها الأكبر.
وأضافت أن هدفها من المقارنة ليس التقليل من شأن ابنها قدر تشجيعه على تحسين مستواه الدراسي والسلوكي.
وعلى حد قولها، فإن مقارنتها بين ابنها وابن خالته المتفوق حققت نجاحًا، كما أنها لاحظت بالفعل تطورًا في التزامه بدراسته.
ربما حققت المقارنة نتيجة مع “نادية”، لكن النتيجة المرجوة نفسها لم تتحقق مع محمد السعيد، ولي أمر، الذي اعتاد المقارنة بين ابنيه اللذين في مرحلة المراهقة، حيث يرى أن المقارنة المستمرة بينهما قد تكون ضرورية في بعض الأحيان، لأنها تجعلهما أكثر إدراكًا لمستوياتهما الحقيقية.
ومع ذلك، يعترف بأنه لاحظ تغيراتٍ سلبية في سلوك ابنه الأكبر، حيث أصبح أكثر انعزالًا وأقل رغبة في مشاركة إنجازاته مع الأسرة بعد تعرضه المستمر للمقارنة بأخيه الأصغر.
من جانبها، رفضت ليلى عبد الرحمن، ولية أمر، مبدأ المقارنة تمامًا بعدما لاحظت أنها تركت أثرًا نفسيًّا سلبيًّا على ابنتها.
وتقول: “عانيتُ شخصيًّا من المقارنة في صغري، وكانت تمثل ألمًا لي عند مقارنتي بشقيقتي”؛ وهو ما دفعها إلى تجنب هذا الأسلوب مع ابنتها.
وأوضحت: “كل شخص له قدراته الخاصة، ولا يمكن قياس نجاح أحد بناءً على نجاح شخص آخر”.
إحباط وعزلة
تحدثنا مع عدة مراهقين لمعرفة تأثير المقارنة المستمرة عليهم، وكانت ردودهم تعكس حجم المعاناة التي يعيشونها بسبب هذه الطريقة في التربية.
يرى أحمد إسماعيل، مراهق، إن المقارنة الدائمة بينه وزملائه في الدراسة تشعره بالإحباط الشديد. وقال: “عندما أبذل مجهودًا كبيرًا في إحدى المواد وأتفوق فيها، أجد والدي يقلل من إنجازي، ويسألني لماذا لم أحقق نفس النجاح في باقي المواد؟ مما يجعلني أشعر بأن جهدي غير مقدّر”.
ويؤكد أن مقارنته بأشخاص آخرين تجعله يشعر بثقل لا يستطيع تحمله، وفي محاولته للتعامل مع هذا الضغط، يحاول أحيانًا تجاهل الأمر حتى لا يستسلم للإحباط.
أما تأثير المقارنة على علاقته بمن حوله، يقول “أحمد”: “لم أعد أشعر بالراحة عند مشاركة إنجازاتي مع أهلي، لأنني أخشى أن يتم التقليل منها أو مقارنتها بإنجازات شخص آخر”.
كما يعترف بأنه يواجه صعوبة كبيرة في التعبير عن مشاعره لأسرته، مما يجعله أكثر انعزالًا.
أما عن تأثير المقارنة على الدافع الشخصي، فيؤكد أنها لا تشجعه على التحسن، بل على العكس تجعله يشعر بعدم الرغبة في المحاولة مجددًا.
تشوه معرفي
“المقارنة نوع من التشوهات المعرفية، وسرقة واضحة لفرحة المراهق بإنجازاته”. هكذا وصف الدكتور عمرو سليمان، استشاري الطب النفسي وعضو الجمعية العالمية والأمريكية والأوروبية والمصرية للطب النفسي، تأثير المقارنة المستمرة على المراهقين وأوضح أن المقارنة ليست كلمات عابرة، ولا تساعد على التحفيز كما يعتقد البعض، بل تجعل المراهق يشعر بعدم الكفاية والدونية مهما حقق من إنجازات مما يفقده الثقة بنفسه.
وأضاف الدكتور عمرو: “هناك اعتقاد شائع بين الأهالي بأن المقارنة وسيلة للتحفيز، لكن الحقيقة أنها تضع الأبناء تحت ضغط نفسي هائل، عندما يسمع المراهق عبارات مثل “فلان أحسن منك”، فإنه يبدأ بالشك في قدراته بدلًا من أن يتحفز”.
وأكد أن تأثير المقارنة لا يقتصر على الحالة النفسية فقط، بل قد يؤدي إلى سلوكيات غير صحية مثل العزلة أو العدوانية أو حتى فقدان الدافع للإنجاز.
واستكمل حديثه: “المراهق الذي يشعر بأنه دائمًا أقل من غيره، من الممكن أن ينسحب تمامًا، ولا تكون لديه رغبة في المحاولة لأنه يرى مجهوده غير مُقدَر”.
مقارنة الابن بنفسه
وأشار إلى أن التربية السليمة يجب أن تعتمد على تعزيز ثقة المراهق بنفسه، وليس مقارنته بالآخرين.
ووجه نصيحة إلى أولياء الأمور، بأن يقوموا بمقارنة ابنهم بنفسه في مراحل مختلفة، قائلاً: “من المفترض أن نقول للمراهق، شاهد أين كنت والآن أين أنت بدلًا من مقارنته بغيره”.
واستخلص الدكتور عمرو رأيه حول ذلك الأمر موضحًا أن لكل مراهق طبيعته المختلفة عن غيره، فالمقارنة ليست فقط غير مفيدة بل غير منطقية أيضًا، لأن كل شخص لديه شخصيته الفريدة وظروفه الخاصة.
وأضاف: “حينما أقارن ابني بغيره، فأنا لا أعلمه أن يطوّر نفسه، بل أعلمه أن يقيس قيمته بناءً على الآخرين، وبدلًا من أن ينظر إلى تقدمه الشخصي، سيظل ينظر إلى إنجازات غيره، ويشعر بأنه مهما فعل فهناك من هو أفضل منه، وهذا الإحساس مزعج نفسيًا، ويدفع المراهق إما للإحباط أو للتمرد”.
ويؤكد أن التربية لا تعني الضغط الدائم على الطفل ليكون مثل غيره، بل تعني مساعدته على أن يكون أفضل نسخة من نفسه، وهذا لن يتحقق إلا عندما يشعر الطفل أو المراهق بأنه مقبول كما هو، من دون مقارنته بغيره.
