التكنولوجيا بين التمرد والاندماج.. كيف تغيرت علاقة الأجيال في العصر الرقمي؟

مراهقون: الكبار يُسيئون فهم جيلنا

تحقيق: نور محمد، اسلام حلمي، دنيا خالد

يشهد الجيل الحالي تأثرًا واضحًا نتيجة الاستخدام المستمر للتكنولوجيا، فرغم فوائدها العديدة إلا أن النشأة عليها واعتياد استخدامها في سن صغيرة؛ يجلبان تأثيرات على المراهقين تمتد إلى علاقتهم بأُسرهم، وحدوث فجوة بين الأبناء والأهل، وأصبحت هناك فجوة ملحوظة بين الأجيال تتمثل في اختلاف القيم، وأسلوب الحياة، وحتى طرق التواصل بين الآباء والأبناء، فهل التكنولوجيا هي السبب؟ وإذا كانت كذلك، فما آلية الأهل الصحيحة للتقارب مع الأبناء؟

يرى المراهق محمد سيد، أن جيله يتمتع بفرص أكبر لكنه يواجه ضغوطًا متزايدة للتميز، قائلاً: “التعلم أصبح أسرع، وأرى أن التكنولوجيا لم تضعف العلاقات الأسرية، بل غيرت أسلوب التواصل، عبر استبدال اللقاءات المباشرة بالرسائل والتعلم عبر الإنترنت”.

وعن وسائل التواصل الاجتماعي، قال: “هي أداة ذات حدين، تعتمد فائدتها على طريقة الاستخدام، وأشعر بضغط لتحقيق النجاح بسرعة في عالم متغير”، مؤكدًا أهمية إدراك الأهل بأن أساليب الماضي قد لا تناسب تحديات الحاضر.

أما أدهم إبراهيم، فيرى أن الكبار يسيئون فهم جيله، فليس الأمر عنادًا بل رغبة في الفهم، مشيرًا إلى أن والده يبالغ في القلق بشأن التكنولوجيا، بينما يراها أداة للتعلم والتواصل.

وأوضح “إبراهيم”، أن الاحترام لا يعني الامتناع عن النقاش، رافضًا مبدأ أن الكبير دائمًا على حق.

وقال: “لكل جيل ظروفه، وما كان مناسبًا في الماضي قد لا يكون كذلك اليوم، وأتمنى أن يدرك أبي أنني لست نسخة مكررة منه”.

فجوة بين الأجيال

لم يكن هذا هو الرأي نفسه لإبراهيم عبد الرازق، أب في الخمسينيات من عمره، إذ لاحظ تزايد الفجوة بين جيله وجيل ابنه أدهم (17 عامًا)، وقال: “في الماضي، كان الأبناء مطيعين من دون جدال، بينما يميل الجيل الحالي للنقاش والتشكيك، وكان قديمًا اللعب والتفاعل العائلي أساسيين، أما الآن فيميل ابني وأبناء جيله إلى العزلة وقضاء الوقت على الهاتف”.

وقارن إبراهيم بين علاقته بوالديه، وعلاقة ابنه به، وأوضح: “علاقتي بوالديّ ما زالت قائمة على الطاعة المطلقة، أما مع ابني فالوضع مختلف، والحوار يتحول إلى صدام بسبب اختلاف وجهات النظر، فالتكنولوجيا مفيدة لكنها زادت التباعد الأسري”.

وهو الأمر نفسه الذي أكدته الأم عزة محمد، التي لاحظت فرقًا كبيرًا بين جيلها وجيل ابنها “محمد”، وأضافت: “أشعر بتباعد أفراد أسرتنا عن بعضها بسبب انشغال الجميع بالهواتف، التربية اليوم أكثر تعقيدًا، وتتطلب تحقيق توازن بين الأساليب التقليدية ومتطلبات العصر الحديث، مع ضرورة وجود حوار مستمر”.

توجيه نفسي

عن آلية التعامل مع الأبناء، صرح الدكتور إبراهيم هيكل، استشاري التنمية البشرية والتربية الحديثة، بأن التربية الحديثة والإيجابية تهدفان إلى تنمية الطفل عقليًا وجسديًا وروحيًا، بالتركيز على التفكير النقدي والقيم الأخلاقية.

صورة مع استشاري التربية الحديثة الدكتور ابراهيم هيكل

وأوضح: “تختلف عن التربية التقليدية التي اعتمدت على الثواب والعقاب من دون تفسير، ولمواكبة العصر الرقمي، يجب على الآباء تطوير مهاراتهم في التواصل، وتحقيق توازن بين الانضباط والحرية لدعم أبنائهم”.

فيما أكد الدكتور علي إسماعيل، أخصائي الطب النفسي، أن التربية الحديثة تعتمد على تحقيق التوازن بين التطور (النمو المعرفي والاجتماعي) والتكيف مع المجتمع واحترام القيم، فالإفراط في أحدهما على حساب الآخر قد يؤدي إلى مشكلات نفسية لدى المراهقين، مثل التمرد أو الاعتمادية الزائدة.

وأضاف: “تتنوع أساليب التربية بين التربية السلطوية التي تفرض القواعد الصارمة من دون نقاش، مما يؤدي إلى شخصيات عدوانية أو مستسلمة، والتربية المتساهلة التي تلبي جميع رغبات الأبناء من دون حدود، مما ينتج عنها مراهقون غير منضبطين، والتربية الإيجابية التي تجمع بين الدعم العاطفي ووضع توقعات واضحة”.

وأوصى “إسماعيل” بأهمية اتباع التربية الإيجابية عبر تفهم مشاعر الأبناء، وتشجيعهم على اتخاذ القرارات، ووضع حدود مرنة، وتعزيز الثقة بالنفس من دون استخدام العقوبات القاسية، موضحًا: “تتسبب التكنولوجيا في زيادة الفجوة بين الأجيال بسبب اختلاف وسائل التواصل، لكنها في الوقت ذاته توفر فرصة لتعزيز التقارب إذا استُخدمت بشكل صحيح”.

واستكمل: “يمكن للآباء الاستفادة من التكنولوجيا لمعرفة اهتمامات أبنائهم، والتفاعل معهم في المجالات التي يفضلونها، مثل وسائل التواصل الاجتماعي أو الألعاب الإلكترونية، من خلال وضع حدود زمنية لاستخدامها من دون فرض قيود صارمة، وتوجيهها نحو التعلم وتطوير المهارات بدلاً من الاستخدام الترفيهي المفرط”.

توجيه السلوك

من جانبه، تحدث الدكتور مجدي أنور، أخصائي تعديل سلوك المراهقين، عن أساليب التربية الحديثة، وقال إنها تعتمد على طرق قائمة على التحفيز والمنع بدلًا من العقاب، وهو أمر إيجابي إذا طُبق بشكل صحيح.

صورة مع الدكتور مجدي أنور

وأضاف: “في مجتمعات مثل مصر، قد يتم تطبيق هذه الأساليب بطرق غير فعالة، لكن في الخارج تعتمد التربية الحديثة على إعطاء التوجيه مرة واحدة فقط، وبعدها يعتاد الأبناء على التعليمات، أما هنا فيتم تكرارها أكثر من مرة، مما يمنحهم الفرصة لتجاهل الأوامر والتلاعب بها، وعندما يحاول الأهل لاحقًا استخدام أساليب التربية الحديثة من دون أن يكونوا قد رسخوا مفهوم الالتزام منذ الصغر، يواجهون مقاومة من الطفل، مما يؤدي إلى صدام مباشر”.

وتطرق “أنور” إلى آلية التعامل الصحيحة خلال مرحلة المراهقة، موضحا: “يحتاج الأبناء إلى الحوار والتفاهم بدلًا من الأوامر، خاصة إذا تعرضوا للمنع المستمر في طفولتهم، مما قد يدفعهم إلى الاعتراض لمجرد الاعتراض، فالضغط لا يجدي معهم، وهنا أنصح بتوجيههم مع السماح لهم بتحمل مسئولية قراراتهم”.

وأضاف: “تسببت التكنولوجيا في أن يفوق وعي المراهقين الرقمي وعي آبائهم، مما يقلل ثقتهم في نصائحهم، هذه الفجوة موجودة دائمًا، لكنها اتسعت اليوم بسبب التطور السريع لوسائل التواصل، مما يزيد تحديات التربية”.

البيئة المدرسية

وأشار إلى أن أبرز مشاكل المراهقة تتعلق بالجوانب العاطفية، موضحًا: “يواجه المراهق مشاعر مختلطة وصعوبة في التكيف، وتنتج عنها صدامات مع الأهل، ويصبح العقاب القاسي غير فعال، والحل الأمثل هو التفاهم والإقناع والتعامل معه بالحوار”.

وتحدث “أنور” عن البيئة المدرسية، ووصفها بأنها ليست إيجابية بالقدر الكافي، لانتشار مشاكل السلوك من دون وجود آليات فعالة لمعالجتها، على سبيل المثال استدعاء ولي الأمر بدلاً من تعديل سلوك الطالب وحل المشكلة، وتبتعد المدارس عن دورها التربوي جزئيًا؛ بسبب رفض بعض أولياء الأمور فكرة تأديب أبنائهم داخل المدرسة. واختتم حديثه بالمطالبة بوضع مناهج تربوية لمواكبة التحديات الحديثة، وقيام الأخصائيين النفسيين داخل المدارس بدورهم في تقديم محتوى علمي يساعد في معالجة المشكلات السلوكية للطلاب

Back To Top