استشاري صحة نفسية: “التمرد سلوك طبيعي في مرحلة المراهقة“
• تقرير: كرستين ميلاد – مريم الحسيني
يواجه المراهقون في عصرنا الحالي العديد من التحديات النفسية والاجتماعية التي تؤثر على هويتهم وتكوين شخصيتهم، فمن الشعور بالاختلاف وعدم الانتماء إلى التمرد والمقارنة المستمرة بالآخرين تتزايد الضغوط التي يتعرضون لها، خاصة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها الكبير على تصوراتهم لأنفسهم وللحياة من حولهم.
لذا وجب أن نسلط الضوء على أبرز هذه القضايا، ونتناول أسبابها وتأثيراتها، كما نستعرض بعض الحلول الممكنة لمساعدة المراهقين على التعامل معها بطريقة إيجابية.
في البداية، أكد الدكتور مجدي أنور، استشاري الصحة النفسية ومتخصص في الاستشارات الأسرية وتعديل السلوك، أن الشعور بعدم الانتماء يعد من أكثر المشكلات التي تواجه المراهقين.
وقال: “يشعر البعض بأنهم لا يجدون من يفهمهم أو يشاركهم اهتماماتهم، وقد يكون هذا الشعور ناتجًا عن اختلاف في الأفكار أو المظهر أو القيم، مما يجعل المراهق عرضة للعزلة عن المجتمع”.
وأضاف أن المراهقين دائمًا لديهم أفكارهم وثقافتهم وحياتهم الخاصة المختلفة عن الكبار، وعندما تختلف هذه الأفكار أو لا تتوافق مع الواقع والمجتمع يظهر الصراع بين الأجيال، وتبرز المشكلة لعدم التواصل الكافي بين الآباء والأبناء منذ سن الطفولة، مما يحرم المراهق من اكتساب الخبرات التي تساعده على التفاعل الإيجابي مع محيطه، ونتيجة لذلك قد ينعزل عن بيئته، ويكوّن أفكاره بناءً على تأثير محيطه الاجتماعي.
وأوضح: “لكي نعالج الشعور بالاختلاف وعدم الانتماء للمراهق لابد من تشجيعهم على البحث عن بيئات داعمة تحتويهم وتتفهم اختلافهم، وتعزيز ثقافة تقبل الاختلاف والتنوع داخل الأسرة والمدرسة، وضرورة وجود تواصل فعال وإيجابي داخل الأسرة”.
علاقة سوية
“يعد التمرد سلوكًا طبيعيًا في مرحلة المراهقة، لسعيهم إلى تحقيق الاستقلالية والتعبير عن هويتهم بطريقتهم الخاصة”، هكذا وصف دكتور مجدي سلوك المراهقين، مشيرًا أن من أسبابه الضغوط النفسية التي يمارسها الآباء على أبنائهم قبل سن المراهقة، وبعد بلوغهم سنًا يستطيعون فيه الاعتراض على قرارات أهلهم، فإنهم يعترضون لشعورهم بالتمرد والعناد إذ تتمثل أشكال التمرد في عاداتهم وتقاليدهم وأفكارهم، والرغبة في إثبات الذات.
ولكي تمر مرحلة المراهقة بشكل سليم ويسير ومن دون عناد، أكد “أنور” أنه إذا كانت العلاقة سوية بين الآباء وأبنائهم منذ الطفولة، فسوف يكبر الطفل بطريقة سليمة، لافتًا إلى أهمية التواصل الإيجابي ومنح المراهقين مساحة من الحرية مع تحمل مسئولية قراراتهم.
أما بالنسبة إلى الإيذاء النفسي والجسدي، فأوضح: “الإيذاء النفسي هو أحد أخطر أنواع العنف، لأنه لا يترك علامات جسدية واضحة، لكن يسبب جروحًا نفسية عميقة تؤثر على ثقة المراهق بنفسه واستقراره العاطفي”.
وأكد “أنور” أن هناك اضطرابات نفسية قد تكون بسبب التنمر أو الضغوط النفسية الناتجة عن توقعات الأهل، وقد تكون طلب اهتمام بطريقة غير مباشرة من المراهق لوالديه، وقد تنتج عن الاكتئاب وأحيانًا نتيجة لوم الضمير، وإذا نشأ المراهق في دائرة لوم، يكبر على كرهه ورفضه لنفسه.
وعن أشكاله، فهي إما جسدية وقد تتسبب في إصابات خطيرة أو دائمة، وإما نفسية مثل العزلة وفقدان الشغف، وعدم الاندماج في البيئة المحيطة والمجتمع، وعدم القدرة على النجاح وممارسة الحياة الطبيعية، موجهًا نصيحته في هذه الحالات بالمتابعة مع معالج نفسي للتخلص من هذه السلوكيات والأفكار السلبية.
تحدٍ ومراقبة
على صعيد آخر، يواجه الآباء والمراهقون صراعًا غير مسبوق في فهم بعضهم البعض، إذ تحول الاختلاف في وجهات النظر، إلى فجوة واسعة بين جيل نشأ في بيئة محافظة ذات قواعد واضحة، وآخر انفتح على العالم الرقمي، ويلجأ العديد من الأهالي لمراقبة أبنائهم بدعوى حمايتهم من المخاطر الإلكترونية المتزايدة، والاستغلال الإلكتروني.
في هذا السياق، جاءت شهادات الأمهات والمراهقين لتكشف عن عمق الأزمة التي يعيشها الطرفان.
تتحدث رشا عبد الحميد، والدة لمراهق، عن التحدي الأكبر الذي تواجهه كأم، وهو ترسيخ القيم والمبادئ في عقل ابنها زياد، تقول: “أحاول أن أزرع في ابني أخلاقًا ومبادئ معينة، لكنه عندما يخرج إلى العالم الخارجي يجد تصرفات معظم من حوله بعكس ما أُعلّمه، فيشعر بأنني على خطأ، وأن الآخرين على صواب، هنا تبدأ معركتي، فأحاول إقناعه بأن الأسرة هي مصدره الأساسي للقيم، وليس الشارع أو الأصدقاء”.
لكن التحدي لا يتوقف عند هذا الحد، فهناك فجوة فكرية واسعة بين الأمهات وأبنائهن، تجعل من الصعب خلق تواصل فعال، وتؤكد “رشا” أنها تحاول دائمًا تقليل هذه الفجوة من خلال الإنصات إلى ابنها دون إطلاق الأحكام، بل إنها في بعض الأحيان تتظاهر بأنها تتفق معه، ثم تقوده تدريجيًا لاكتشاف الخطأ من وجهة نظره بنفسه.
وتضيف: “إذا أظهرتُ رفضي المطلق لما يقوله، سيتوقف عن مشاركتي أفكاره، لهذا، أحيانًا أظهر له أنني أفهمه وأوافقه، ثم أجعله يرى بنفسه أنه مخطئ”.
أما عن تأثير السوشيال ميديا، فتصفه “رشا” بأنه أكبر أزمة تواجهها، إذ تشعر بأن تأثيرها على ابنها خارج عن سيطرتها تمامًا، وتقول: “لن أستطيع مراقبة هاتفه طوال الوقت، وإن تأثر بشيء سلبي فسيجد طريقه إليه مهما فعلتُ”.
وتشير إلى أن التربية الحديثة جعلت أولياء الأمور عاجزين أمام الأبناء، مضيفة: “نخشى التدخل الزائد حتى لا يُقال إننا نتجسس عليهم، لكن الحقيقة أن هذا الجيل يحتاج إلى رقابة، لأنهم ما زالوا صغارًا ولا يدركون عواقب ما يرونه”.
وترى أن إعطاء المراهقين حرية غير مشروطة بدعوى بناء شخصيات مستقلة هو أمر غير واقعي، وتؤكد: “الشخصية القوية لا تُبنى بمنح الحرية المطلقة، بل بزرع القيم والمبادئ، فلا مانع من مراقبتهم”.
لكن، هل تنجح هذه الطرق في تقليل الفجوة بين الأم وابنها؟ تؤكد “رشا” أن الأمر نسبي، فابنها يتقبل كلامها بنسبة 80%، لكنه يظل متأثرًا بأصدقائه بنسبة 20%.
وتقول: “عندما يرى أن أصدقاءه يفعلون شيئًا معينًا، يشعر بأن عليه أن يفعل مثلهم، فقط لأنهم يستمتعون به وليس لأنه مقتنع”.
ورغم كل محاولاتها للاقتراب منه، فإنها تخشى أن يكون لديه حياة سرية لا تعرف عنها شيئًا، فقد اكتشفت بالصدفة أن ابنها كان في علاقة عاطفية استمرت عامًا ونصف العام، لكنها لم تعلم بذلك إلا بعد ثلاثة أشهر من انتهائها، ورغم صدمتها، لكنها اختارت ألا تواجهه حفاظًا على خصوصيته، لكنها أصبحت أكثر قلقًا من أن يكون هناك جانب خفي في حياته لا تعلم عنه شيئًا.
رحلة بحث
على الجانب الآخر، يرى زياد عماد، مراهق، أن مشكلته الكبرى مع أهله ليست في القوانين التي يفرضونها، بل في شعوره بأنهم لا يفهمونه.
يقول: “يعتقدون دائمًا أنهم على صواب، ويريدون فرض آرائهم من دون نقاش، كأنهم يملكون الحقيقة المطلقة”، وعندما يجد أنهم لا يستوعبون أفكاره، فإنه لا يناقشهم، بل يفعل ما يريد من دون علمهم.
أما عن الثقة، فيعترف “زياد” بأنه لا يشارك كل تفاصيل حياته مع والديه، لأنه يعلم مسبقًا أنهم لن يتفهموا مواقفه، لكنه عندما يحتاج إلى مشورة، لا يلجأ إليهم، بل يتحدث إلى أصدقائه الذين يثق بهم.
ويضيف مفاجأة غير متوقعة: “مؤخرًا، أصبحتُ ألجأ إلى الذكاء الاصطناعي، فهو أكثر حكمة، لا يحكم عليّ، ولا يفشي سري”.
وعن مخاوفه من المستقبل، يعترف “زياد”، بأن أكثر ما يخيفه هو الفشل، إذ يشعر بضغط هائل لتحقيق النجاح في كل شيء يخطط له، لأنه لا يتقبل فكرة أن يبذل جهدًا في شيء ثم لا ينجح، لكنه يرى السوشيال ميديا أداةً إيجابية، يستغلها لتطوير نفسه، سواء من خلال البحث عن حلول لمشاكله، أو الاستماع إلى محتويات تحفيزية تعيد إليه شغفه.
