دار الإفتاء المصرية: “المراهق غالبًا يرى نفسه مظلومًا وليس ظالمًا“
• تحقيق: رضوى النوبي- شيماء عبد الباقي- وسام محمد
“جيل ضايع”، “مفيش أخلاق زي زمان”، “التكنولوجيا بقت بتربيهم!”.. عبارات تتردد كثيرًا عند الحديث عن المراهقين اليوم، وكأن هناك فجوة أخلاقية تفصلهم عن الأجيال السابقة، يخضع المراهقون لكثير من المقارنات بأقارنهم في العمر نفسه قبل سنوات، تنطلق هذه المقارنات لتشمل العديد من الأمور كالسلوك، والأخلاق، والمستوى الدراسي، ليحمل الجيل الحالي وصمة باختلافه عن الأجيال السابقة، فما سبب هذه المقارنات؟ وهل هذه الصورة تعكس واقعًا عن تراجع الأخلاق بين الشباب أم أن كل جيل يواجه انتقادات مماثلة؟ وفي هذا التقرير، نحاول الاقتراب أكثر من عالم المراهقين، وفهم طبيعة سلوكهم وسبب الاختلافات.
تحديات تربوية
عن الجانب التربوي والتعليمي، عقدت هبة مسعود، معلمة اللغة الإنجليزية بمدرسة المرج الثانوية، مقارنةً بين الطلبة الآن وقبل سنوات، وقالت: “أرى أن أخلاق المراهقين في الوقت الحاضر أصبحت مختلفة تمامًا عن أخلاقهم في الماضي، سواء فيما يتعلق بالالتزام أو الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، ففي الماضي، كان هناك قدر أكبر من الاحترام والالتزام بالقواعد، أما الآن، فيسيطر الاستهتار وعدم التركيز عليهم”.
وعن طريقة التعامل معهم، أضافت: “عندما تقوم طالبة بفعل شيء غير صحيح، أحاول لفت انتباهها بنظرات حازمة، وأحيانًا أرفع صوتي قليلًا، أو أعطيها إنذارًا أول، ثم إنذارًا ثانيًا، وإذا استمرت في السلوك الخاطئ، أخرجها من الفصل، بعض الطالبات يستجبن للنصائح، بينما بعضهن لا يفعلن”.
وأشارت إلى القدرة الكبيرة لأبناء هذا الجيل في التأثير على بعضهم البعض، موضحة: “يمكن وصف عدد قليل بالمتميزين، أما الأغلبية، للأسف، فهن غير ملتزمات، ولا يوجد احترام للمعلم، وجميعهن يرغبن في الغش في الامتحانات، وبالطبع، مع تقدمنا في العمر، أصبحت السيطرة عليهن داخل الكنترول أمرًا صعبًا”.
هذا الأمر أكده سمير محمد، معلم اللغة الإنجليزية بالمدرسة ذاتها، لافتًا إلى أن من أكثر السلوكيات غير الجيدة التي قد تصدر عن بعض المراهقين أن ترفع فتاة صوتها أثناء الحديث، أو أن تردّ على المعلم بطريقة غير لائقة.

واستكمل حديثه: “بالنسبة إليّ، وبحكم أنني أكبر منهم سنًا، أتعامل معهم كأب، ولذلك أتسامح عن كثيرٍ من المواقف من دون تصعيد للمدير، ولكن بشكل عام تغيرت أخلاق المراهقين في تعاملهم مع المعلمين إلى الأسوأ، فهم لا يدركون مصلحتهم الحقيقية، وهناك العديد من الفتيان والفتيات الذين لا يحرصون على الاستفادة من خبرات وعلم المعلم”.
وذكرت ندى محمد مليجي، الأخصائية الاجتماعية التربوية، أن وجود المراهق في مدرسة حكومية أو خاصة يؤثر بشكل كبير على سلوكه، لأن أول ما يلفت انتباهه هو البيئة التي يتواجد فيها باستمرار، لكنه يعود في النهاية إلى المبادئ والقيم التي يتعامل بها داخل المدرسة.

ولفتت إلى أن غياب الرقابة من الأهل، قد يجعل المراهق لا يتمكن من الالتزام بأي نظام في حياته، وقد لا يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ؛ لذلك، من الضروري وجود إرشاد وتوجيه مستمر، إضافةً إلى التذكير الدائم حتى يدرك أن هناك أمورًا مسموحًا بها، وأخرى غير مسموح بها.
وتابعت: “إذا لاحظنا خللًا في سلوك المراهق فيجب محاولة معرفة المشكلة أو السبب الذي أدى إلى سلوكه غير المنضبط، ثم نقدم إليه الدعم المناسب بطريقة صحيحة تساعده على تعديله، وأن يكون العقاب مناسبًا لشخصية كل مراهق وطباعه، لأن جميع المراهقين لا يتقبلون أسلوب العقاب نفسه وبالطريقة نفسها، كما أن تحديد نوع العقاب يعتمد على حجم المشكلة ومدى تأثيرها”.
مفاهيم متغيرة
في حديثنا مع الطلبة، وجدوا مبررًا لبعض التصرفات، وأوضح يوسف أحمد، طالب بالمرحلة الإعدادية، أن هناك بعض الأمور على وسائل التواصل الاجتماعي التي تؤثر عليه، بينما هناك أمور أخرى لا تؤثر، فعلى سبيل المثال، المحتوى الذي يتضمن ألفاظًا غير لائقة يترك أثرًا سلبيًا عليه، في حين أن هناك محتوى مفيدًا يمكنه الاستفادة منه، مثل المعلومات العامة.
وأضاف أنه إذا كان لديه صديق ذو أخلاق غير جيدة، فإنه يحاول الابتعاد عنه أو نصحه بأن هذا السلوك غير صحيح، لكن التعامل معه لا يؤثر على أخلاقه، كما أنه يفضل عند ارتكابه خطأ أن يناقش أهله فيه ليحاولوا فهم مشكلته، لأنه قد يكون هناك أمر يزعجه ويؤثر على تصرفاته.
فيما قال محمد حسن، الطالب بالمرحلة الثانوية، إنه لا يتأثر بوسائل التواصل الاجتماعي على الإطلاق، كما أنه لا يتأثر بالمقارنة مع الآخرين، بل يركز على ما يفيده، ولا يرى ضرورة لأن يكون مثل أي شخص آخر.
واشترك الطالبان في رأييهما، حال تعرضهما لتوبيخ من أحد المعلمين من دون وجه حق، فإنه، إذا كان أحدهما متأكدًا من موقفه، فقد يحاول توضيح الأمر للمعلم، وإذا لم يتفهم ذلك، فيخبر والده ليقوم بحل المشكلة.
توجيه أسري
يمارس بعض أولياء الأمور دورهم مع أبنائهم، وقالت رشا رفعت، ولي أمر لمراهقين، “أحرص على مصادقة أبنائي، وعندما يرتكبون خطأً يلجأون إليّ لمناقشته، فأحاول حله معهم، ثم أفرض عليهم عقابًا، مثل مقاطعتهم لبعض الوقت، أو سحب الهاتف منهم، أو فصل الإنترنت”.
وأضافت: “أنا لا أؤيد أسلوب التربية الإيجابية في مرحلة الطفولة، لأنني أرى أن تأثيره على أخلاق المراهقين ليس جيدًا، لكن عندما يكبرون، يمكن أن أتعامل معهم بطريقة مختلفة، وأكون قريبة منهم كصديقة”.
وأشارت إلى أن أكثر ما تغير في تصرفات أبنائها خلال فترة المراهقة هو انشغالهم الدائم بالهواتف، وجلوسهم بمفردهم أو مع أصدقائهم لفترات طويلة، إضافةً إلى ارتفاع نبرة صوتهم، ظنًا منهم أن ذلك دليل على نضجهم.
كما ترى أن صناعة المحتوى و”التريندات” أثرت بشكل كبير على أخلاق المراهقين، وأصبحوا يسعون إلى تقليد أي شيء، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا.
أزمة السن
لاضطرابات تغير السلوك تفسير علمي، إذ تتعلق بالعوامل النفسية للمراهق، وهو ما تشرحه مهرائيل ميشيل، أخصائية العلاج النفسي الإكلينيكي، قائلةً: “في البداية، تكون الاضطرابات النفسية في سن المراهقة على شكل أعراض تؤثر على مختلف جوانب الحياة، سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية أو الدراسية، كما تنعكس على الحالة النفسية العامة للمراهق، وقد تؤدي اضطرابات القلق أو المزاج إلى عزلته وتقليل تفاعله مع الآخرين”.

بالنسبة إلى المقارنات، فأوضحت أنها لا تؤثر بشكل مباشر على الأخلاق أو السلوك، وإنما تولّد مشاعر معينة لدى المراهق، لافتة إلى أن الإنسان يتكون من أفكار ومشاعر وسلوك، فعند حدوث أي موقف، تتشكل أفكار تجاه الشخص نفسه أو تجاه الآخرين، وهذه الأفكار تؤدي إلى توليد مشاعر مختلفة، والتي بدورها تنعكس على السلوك.
واستكملت حديثها: “عندما يقارن الفرد نفسه بالآخرين، قد يشعر بأنه أقل كفاءة أو ما يقدمه ليس كافيًا، وقد تؤدي الأفكار التي يكوّنها عن نفسه بناءً على آراء من حوله إلى مشاعر الغيرة أو الإحباط، هذه المشاعر قد تنعكس في سلوك عدواني أو في تجنب المحاولة، كأن يعتقد الشخص أنه فاشل.. يظن أنه لا داعي للدراسة أو المحاولة”.
وأضافت أنه في هذه المرحلة، يسعى المراهق إلى إيجاد شخص يقتدي به، خاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والشخصيات المؤثرة، وقالت: “يراقب من يلفت انتباه الناس أكثر، وبالنسبة إليه، فإن الشهرة والجاذبية تعني أن هذا الشخص جيد ويستحق المتابعة، وقد لا يكون المراهق قادرًا على التمييز بين الصفات الإيجابية والسلبية في شخصية قدوته، مما يدفعه إلى تقليدها بشكل كامل، سواء في الصفات الحسنة أو السيئة”.
وعن محاولة تدخل الأهل للسيطرة على تأثره برواد السوشيال ميديا، أشارت إلى أنه في بعض الأحيان، قد تؤدي الرقابة الزائدة من الأهل إلى شعور المراهق بالحرمان من أشياء معينة، مما يدفعه إلى محاولة اكتشافها بدافع الفضول، وليس بالضرورة بسبب تغيير في أخلاقه، لكن هذا التصرف قد يبدو للأهل وكأنه تغير سلبي في سلوكياته، بينما هو في الحقيقة جزء من طبيعته في هذه المرحلة العمرية.
الدين والهوية
“عندما يغيب دور الدين في حياة المراهق، يصبح بلا قيود، مما يجعله عرضة لتقليد ما يخالف دينه وعقيدته”.. هذا ما أكده الشيخ محمد نصر بدار الإفتاء المصرية، موضحًا أن الإسلام يضع ضوابط لكل مرحلة من مراحل حياة الإنسان، وقد وضع منهجًا واضحًا للمراهقة.
واستكمل حديثه: “ونتيجة لذلك، يفتقد المراهق الحصانة الفكرية أمام الشبهات والأفكار الهدامة، مما قد يؤدي إلى التطرف في أحد الاتجاهين؛ إما يبعده عن الصورة الصحيحة للإسلام وإما إلى التعصب والتشدد، فتظهر فئات تتبنى أفكارًا لا تتوافق مع تعاليم الإسلام الصحيحة”.
وتابع: “المراهق غالبًا ما يرى نفسه مظلومًا وليس ظالمًا، وخاصة إذا نشأ في بيئة لا تعلّمه شيئًا عن دينه أو عاداته وتقاليده، ولا يتعرّف فيها على الثوابت التي نشأ عليها المجتمع، وهذا يعدّ تقصيرًا من الأبوين، لذا لابد من الحرص على ترابط الأسرة، كما أنه تقصير من باقي المؤسسات، مما قد يؤثر على مستقبل المراهق، حيث يكبر من دون وعي بالحدود الأخلاقية”.
وطالب بعدم توجيه النصيحة للمراهق وحده، بل للمجتمع بأسره، بدءًا من الأسرة وصولًا إلى أعلى مؤسسات الدولة، مؤكدًا: “المراهقون هم مستقبل الأمة، ومن سيصنعون قوتها، فالشباب هم أساس أي مجتمع، وهم آباء وأمهات وعلماء الغد، لذا من واجبنا أن نهتم بهم ونرعاهم”. وأشار إلى أنه من مهام الدعاة مخاطبة المراهقين بلغة تناسبهم، وفهم اهتماماتهم والمستجدات التي تطرأ في عصرهم، فعندما نتحدث إليهم، لا بد أن نكون على دراية بالتحديات التي يواجهونها اليوم، كما أن التوعية الدينية ليست مسئولية المؤسسات الدينية وحدها، مثل الأزهر أو الكنيسة، بل مسئولية مشتركة بين جميع الجهات.
