الناقد الفني خالد محمود :”المراهقون يتأثرون بالسينما بشدة“
• تحقيق: نور محمد – ريم حسام – سلمى علي
يتأثر المراهقون بالأعمال الفنية مثل الدراما والأفلام، إذ تعد هذه المرحلة العمرية من أكثر الفترات حساسية وتأثرًا بما يحدث في محيطهم.
ومع انفتاح المراهقين على العالم الرقمي وتوافر المحتوى الفني بشكل غير مسبوق، أصبح من الضروري دراسة تأثير هذه الأعمال على مشاعرهم، وسلوكياتهم، ونظرتهم للحياة، بينما تسهم بعض الأعمال في تنمية الإبداع وتعزيز القيم الإيجابية، قد تكون لبعضها الآخر تأثيرات سلبية، وفي السطور التالية نستعرض كيف تؤثر الفنون على حياة المراهقين، وما إذا كانت أداة للإلهام أم سلاحًا ذا حدين.
يجد يوسف محمد، المراهق البالغ من العمر 16 عامًا، في مشاهدة الأفلام ملاذًا يريحه من ضغوط الحياة اليومية، إذ تمنحه لحظات من الهدوء وتخفف من التوتر.
وأبدى “محمد”، إعجابه الشديد بالفنان يوسف الشريف، الذي يرى فيه نموذجًا للإبداع والتجديد، بسبب أفكاره المختلفة وأدواره المميزة، ورغم تفاعله باستمرار مع الأعمال الفنية، كان لفيلم “العالمي” وقع خاص عليه، إذ وجد فيه انعكاسًا حقيقيًا لطموحات وأحلام الشباب المصري.
وعلى حد وصفه، لا يرى أن الفن يمثل جزءًا أساسيًا من هويته، ولا يعتبره وسيلة للهروب من الواقع، لكنه يقدّر الأغاني لما تمنحه من قدرة على التعبير عن المشاعر المختلفة، حسب حالته النفسية.
وقال: “كانت لي تجربة سابقة ممتعة في إنشاء عمل فني، وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تعميق فهمي وتقديري للأعمال الفنية، رغم أنها أحيانًا تحمل تأثيرات سلبية”.
أما يوسف حسام، فينظر للفن من زاوية أكثر ارتباطًا بالعاطفة والهوية، ويرى في الموسيقى وسيلته المفضلة للتعبير، ويجد في كلمات “مروان بابلو” الصدق والواقعية، مما يجعله أحد فنانيه المفضلين.
يتفاعل “حسام” مع الفنون بشكل شبه يومي، ويؤمن بأنها تؤثر عليه على مستوى عاطفي عميق، بل تشكل لديه جزءًا من رؤيته للعالم، وتساعده على تصحيح بعض المفاهيم.
يعترف بأنه لجأ في أوقات معينة إلى الفنون للهروب من الواقع، كما حاول في وقت سابق تأليف موسيقى خاصة به، لكنها تجربة لم تكتمل، وكان لفيلم “سلام يا صاحبي” تأثير لافت عليه، إذ غرس فيه قناعة بأن سعادة من نحب قد تكون أحيانًا أسمى من سعادتنا الشخصية.
شغف يتحقق
لم يقتصر التأثر بالأعمال الفنية على مشاهدتها فقط، إذ انطلق شادي شريف، ممثل صاعد، إلى عالم التمثيل، ليحقق شغفه الذي بدأ منذ الطفولة، وقال: “لم أعرف كيف أخوض تجربتي في هذا المجال حتى وجدت إعلانًا لمسرحية “أحدب نوتردام”، ومن هنا، بدأت رحلتي في التمثيل المسرحي، التي تطورت لاحقًا إلى المشاركة في السينما والتلفزيون”.
ويحكي “شريف”، عن تجربته في فيلم “الحريفة 2″، حيث شعر للمرة الأولى بالعمل وسط جيل يشاركه الشغف والطموح، مضيفًا: “سعدت بالتواجد في عمل يجمعني بالنجم كريم عبد العزيز؛ لأنني أعتبره قدوة، وتعلمت منه الكثير عن الالتزام والاجتهاد، وكنت أشاهد مواصلته العمل لساعات طويلة من دون أن يظهر عليه التعب”.

وعن التحديات التي واجهها، أوضح “شادي” أن دخوله عالم التمثيل أثر على دراسته، حيث تراجعت درجاته مقارنة بما كانت عليه سابقًا، ومع ذلك، يحاول تحقيق التوازن بين شغفه ودراسته من خلال تنظيم وقته ووضع جدول يضمن التزامه.
أما عن أحلامه المستقبلية، فيطمح إلى تقديم أدوار معقدة مثل شخصية كريم عبد العزيز في “الفيل الأزرق”، كما يتمنى تجسيد دور يوليوس قيصر في المسرح، معتبرًا أن مثل هذه الأدوار تمثل تحديًا كبيرًا لقدراته التمثيلية.
جيل واع
على النقيض، لاحظت عبير الجوهري، ربة منزل ووالدة مراهق، تأثير الأعمال الفنية على ابنها، إذ تجعله أفلام العنف أكثر نشاطًا لدرجة تقليد المشاهد الخطيرة، وترى أن بعض الأعمال تعزز القيم الإيجابية، بينما تروج أخرى لسلوكيات غير مناسبة.
وأوضحت: “المحتوى الاستهلاكي أزمة كبرى، خاصة تيك توك الذي أدى إلى اهتمامه بالمظاهر، وانعزاله، وإهماله للدراسة، لكن لا أفرض عليه رقابة صارمة، وأحرص على توجيهه بالحوار وغرس القيم الأخلاقية”.
فيما أكدت هيام فوزي، والدة مراهق آخر، أن الأعمال الفنية تؤثر على مزاج ابنها ونظرته للحياة، لكنها لا تؤثر على أسلوب تعبيره أو مستواه الدراسي أو أنشطته اليومية، كما أنه لا يقلد شخصياتها في السلوك أو المظهر، معتبرة أن هذا الجيل أكثر وعيًا من السابق.
كما أوضحت أنها لا ترى تأثيرًا على تواصله مع عائلته وأصدقائه، مشددة على دور الأهل في توجيه المحتوى الذي يشاهده الأبناء، مضيفة: “بعض الأعمال الأجنبية لا تناسب ثقافتنا وديننا؛ لذلك، أتابع ما يشاهده، وأحيانًا أرشح له بناءً على اهتماماته”.
تأثير نفسي
“تأثير الأعمال الفنية يكون واضحًا بشكل كبير على سلوكيات الأفراد، خاصةً المراهقين مقارنةً بالبالغين”، كان هذا رأي الدكتور أحمد علام، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية.
وتابع: “تعكس الأعمال الواقعية قضايا يمكن حدوثها في الواقع، بينما قد تؤدي الأعمال الخيالية إلى تداخل بين الواقع والخيال لدى بعض الشخصيات الحالمة، ويختلف تأثير الأعمال الفنية من شخص لآخر وفقًا لسماته الشخصية وبيئته وتربيته، لكنها قد تؤدي إلى آثار نفسية مثل: القلق، والاكتئاب، والتوتر، واضطرابات الشهية، والتأثير على التركيز والمزاج”.
واستكمل حديثه: “قد يعزز التعرض المتكرر لمحتوى معين العزلة أو العنف خاصةً لدى المراهقين، إذ تزيد مشاهد العنف من النزعات العدوانية لديهم، أما الأعمال الدرامية، فيمكن أن تساهم في توجيه الرأي العام ودعم القضايا المجتمعية، مثل ما حدث في مسلسل “تحت الوصاية” لـ منى زكي، الذي ناقش قضايا المرأة”.
ويؤكد “علام”، أن المسئولية لا تقع فقط على صناع المحتوى، بل تشمل أيضًا الأسرة والمؤسسات التعليمية والإعلامية لضمان تأثير إيجابي للأعمال الفنية، مع ضرورة تعزيز وعي نقدي لدى المشاهدين، خاصة المراهقين.
رؤية نقدية
من جانبه، أكد الناقد الفني، خالد محمود، أن للفنون تأثيرًا قويًا على المراهقين، نظرًا لانفتاح عقولهم واستعدادهم لتلقي الأفكار الجديدة، مما ينعكس على حديثهم وملابسهم وسلوكهم.
وأوضح أن المنصات الرقمية زادت من تعرض المراهقين للأعمال الأجنبية، مما أدى إلى انقسامهم بين ناقدين للمحتوى ومستقبلين غير نقديين قد يعانون من العزلة، مشيرًا إلى تأثير الفنون على الصحة النفسية، التي تترك الرسائل الإيجابية أثرًا جيدًا، بينما قد يزيد المحتوى العنيف من العدوانية والقلق.
ورأى أن دور النقد لم يعد توجيهيًا، بل أصبح تحليلًا لأسباب انجذاب الشباب للأعمال المختلفة، مضيفًا: “يتطلب تحقيق التوازن بين حرية الإبداع وحماية المراهقين وعيًا مجتمعيًا أكثر من كونه رقابة صارمة”.
ويؤكد أن التصنيف العمري هو الحل الأكثر عملية، حيث لا يمكن فرض قيود على المحتوى في عصر الإنترنت المفتوح، مشددا على أن الحل يكمن في التوعية الفنية، حيث يجب على الأهل والمعلمين المشاركة في مناقشة المحتوى الفني مع المراهقين، بدلًا من محاولة منعه.
على صعيد آخر، يرى المخرج أحمد نور الدين، أن تأثير العمل الفني يختلف من شخص لآخر، لكن المراهقين يميلون لرؤية أنفسهم كأبطال، مما يؤثر على سلوكهم وأفكارهم، مؤكدًا أن للمخرج رؤية فنية يجب أن تصل بوضوح للجمهور، مع ضرورة حرية الإبداع، رغم صعوبة تحقيق التوازن بين التأثير السلبي والإيجابي. ولا يؤيد “نور الدين” الرقابة المشددة، بل يرى أن دور الأهل أساسي في توجيه أبنائهم، ويلاحظ أن المراهقين أكثر شجاعة واستيعابًا بفضل المنصات الرقمية، التي تسهل وصولهم إلى المحتوى، لكنه يؤكد أن القيم لا تتشكل فقط من الأعمال الفنية، بل من الواقع أيضًا.
