المهندس زياد عبد التواب: المراهقون فريسة سهلة للمحتوى الضار

• حوار: رضوى النوبي – كريستين ميلاد

أصبحت المكاسب الرقمية واحدة من أبرز مصادر الدخل الجديدة خاصةً بين فئة الشباب، فبفضل التطور السريع في تكنولوجيا المعلومات ،ظهرت فرص متنوعة للعمل وكسب المال عبر المنصات الإلكترونية مثل: العمل الحر، والتجارة الإلكترونية، والتسويق الرقمي، وتقديم الخدمات عن بُعد ، ومع اتساع هذه الفرص ظهرت أيضًا بعض التحديات والاتجاهات السلبية من بينها المراهنات الرقمية، وهي نوع من الأنشطة التي تعتمد على الحظ أكثر من المهارة وغالبًا ما تكون محفوفة بالمخاطر، وعلى الرغم من إغراء الأرباح السريعة التي تروّج لها بعض المنصات، فإنها قد تؤدي إلى خسائر مادية ونفسية جسيمة، خاصةً في حال غياب الوعي المالي والثقافة الرقمية السليمة.

ومن هنا أجرت مجلة ” تحت السن ” حوارًا صحفيًا مع المهندس زياد عبد التواب، نائب رئيس الاتحاد المصري للألعاب الإلكترونية وخبير التحول الرقمي وأمن المعلومات، ومساعد الأمين العام لمجلس الوزراء لنُظُم المعلومات والتحوّل الرقمي ومدير إدارة الاتّصالات والشبكات ونائب رئيس محور تكنولوجيا المعلومات والمشروعات.

ما هي المكاسب الرقمية ؟

المكاسب الرقمية تعني استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في شبكة الإنترنت والمنصات المختلفة لتحقيق عائد مادي للأفراد المشاركين بها ،ومن أبرز طرق تحقيق هذه المكاسب ما يُعرف بالعمل الحر أو بالعمل كمهنيين مستقلين ، على سبيل المثال بعض المبرمجين المهرة حيث يمكنهم العمل في منازلهم بدلاً من الالتحاق بوظيفة ثابتة في شركة. 

ويستطيع هؤلاء المحترفون الدخول على موقع من مواقع العمل الحر، يعرضون خدمتهم ويتلقون طلبات لتنفيذ مشاريع معينة، ثم يقومون بإنجازها وتقديمها عبر الإنترنت ، وبمجرد الانتهاء من العمل وتسليمه يحصلون على مستحقاتهم المالية عبر وسائل دفع إلكترونية متعددة مثل: البطاقات الائتمانية، والمحافظ الإلكترونية، أو بطاقات الدفع المباشر.

كم عدد الشباب الذين يعملون في مجال العمل الحر بمصر؟

في عام 2020 بلغ عدد الشبان المصريين حوالي 50,000 ألف شاب لديهم حسابات مصرفية مخصصة للعمل الحر، مما يشير إلى أن هذا العدد كان يمثل حجم العاملين بهذا المجال حين آذاك ، ولكن خلال السنوات الأخيرة شهد هذا القطاع نموًا هائلًا ، حيث أعلنت الحكومة منذ بضعة أيام أن عدد الشباب الذين يعملون كمستقلين ويمتلكون حسابات بنكية مخصصة لذلك قد ارتفع إلى ما بين 350,000 و 450,000 ألف شخص ، وهذا الارتفاع الكبير يعكس الإقبال المتزايد على العمل الحر في مصر، مدفوعًا بجهود التوعية والتدريب التي توفرها الدولة، إضافةً إلى الفرص المتنامية في مجالات مثل: البرمجة، والتصميم، والتسويق الإلكتروني، وكتابة المحتوى عبر الإنترنت.

ما أبرز أشكال المكاسب الرقمية التي يمكن للأفراد والشركات تحقيقها اليوم؟

فكرة المهنيين الرقميين تُعد وسيلة محترمة من وسائل العمل عبر الإنترنت، حيث يمكن للشخص أن يعمل من منزله بدلاً من الإلتزام بوظيفة تقليدية تتطلب الذهاب إلى مقر الشركة يوميًا، وأيضًا من ضمن الأعمال المتاحة للعمل هي “الكول سنتر” وهي من ضمن خدمات التعهيد، حيث يمكن لشخص في مصر أن يعمل لدى شركة في السعودية ويقوم بالرد على المكالمات من خلال جهاز كمبيوتر وسماعة وبرنامج مخصص لهذا الغرض.

وهناك أيضًا التسويق الإلكتروني وهو من الوسائل الجيدة للكسب عبر الإنترنت، حيث يستطيع الشخص الذي يمتلك منتجات أن يعرضها عبر منصات التسويق الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من الاعتماد على محل في محيطه فقط ،مما يتيح له الوصول إلى عدد أكبر من العملاء في أماكن مختلفة.

في المقابل، توجد وسائل أخرى للكسب عبر الإنترنت لكنها محرّمة دينيًا ومجرّمة قانونيًا، مثل المراهنات الإلكترونية، التي أصبحت منتشرة بشكل كبير مؤخرًا، وهذه التطبيقات تأتي من خارج مصر، ويشترك فيها المستخدم بدفع مبلغ معين مثل خمسين جنيهًا، ثم يبدأ بالمراهنة على أشياء تافهة مثل نتيجة مباراة. 

هل هناك سياسات متبعة لحماية المراهقين من المحتوى الضار أو الأنشطة الإلكترونية المهددة للأمان الشخصي مثل ألعاب المراهنات؟

حتى الآن هذه المنصات لا تزال مفتوحة، أي يمكن لأي شخص الدخول إليها، ولكن حاليًا يناقش مجلس النواب قانونًا لتجريم المراهنات الإلكترونية، وأتوقع أن يتضمن هذا القانون بندًا يُلزم الحكومة بإغلاق هذه المنصات، مثل برنامج (1xBet)، وهو الأشهر في هذا المجال ، ومع ذلك، فنحن نعلم جيدًا بأنه حتى لو تم حظر هذه المنصات داخل مصر، فبإمكان بعض الشباب استخدام أدوات مثل “VPN” للحصول على عنوان IP  من دولة أخرى ،كإنجلترا مثلاً، ومن ثم يتمكنون من الوصول إلى المنصة واستخدامها بشكل عادي، لكن في نهاية الأمر تكون الحكومة قد قامت بدورها واتخذت خطوة مسئولة من خلال حظر هذه المنصات.

هل هناك قانون بمصر يجرم ألعاب المراهنات الإلكترونية؟

لا يوجد قانون ينظّم المراهنات الإلكترونية حتى الآن، ولكن هناك رأيين مختلفين: الفريق الأول يرى أننا بحاجة إلى إصدار قانون خاص ينظّم المراهنات الإلكترونية، في حين يرى الفريق الثاني أن القانون الموجود حاليًا والذي ينظّم المراهنات التقليدية – التي تُجرى على أرض الواقع – يمكن تطبيقه على المراهنات الإلكترونية أيضًا، أمّا من وجهة نظري، فأنا أُفضّل أن نُصدر قانونًا خاصًا بجرائم المراهنات الإلكترونية.

وكما ذكرنا، فإن المراهنات مُجرَّمة، وهي أيضًا مُحرّمة من الناحية الدينية، لأنها أولاً تقوم على الربح من دون بذل مجهود حقيقي، وإنما بناءً على مجرد توقّع، إضافةً إلى ذلك، فإن الربح فيها يعتمد على خسارة طرف آخر، أي أن شخصًا ما يخسر لأنه توقّع بشكل خاطئ، بينما يربح آخر لأنه توقّع بشكل صحيح، وهذا لا يُعدّ مكسبًا مشروعًا، بل نوع من ألعاب الحظ، وهو ما يجعلها محرّمة.

كيف يمكن توفير بدائل قانونية وآمنة للمراهقين الذين يبحثون عن طرق للكسب السريع؟

المكسب الحقيقي لا يكون مكسبًا سريعًا؛ فإذا كان هناك ربح سريع بشكل غير طبيعي، فغالبًا ما يكون وراءه خلل أو خطر ، فهل يُعقل أن أبني عمارة في ثلاث دقائق؟ من الطبيعي أن تحتاج العمارة إلى أساس قوي، ثم يتم بناء الدور الأول فالثاني والثالث والرابع، مع أخذ الوقت الكافي والتأكد من سلامة كل مرحلة من مراحل البناء، وكل ذلك لا يتم إلا بعد إجراء الدراسات الهندسية والإنشائية اللازمة، أما البدء من دون تخطيط أو دراسة فإن النتيجة الحتمية ستكون الانهيار.

كيف يمكننا استخدام التكنولوجيا لتقديم بدائل مفيدة ومسلية للمراهقين بعيدًا عن المراهنات؟

يمكنهم تعلم البرمجة عبر مبادرات كثيرة تقدمها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات منها “أشبال مصر الرقمية” و “براعم مصر الرقمية” و “رواد مصر الرقمية” ،وكل هذه المبادرات لطلاب من سن الصف الرابع الابتدائي إلى سن ما بعد التخرج من الجامعة، وتمكنهم من دراسة مجموعة من المواد التكنولوجية وبرمجة وذكاء اصطناعي و الأمن السيبراني حتى لمن يتخصصون في المحاسبة، إذ تتيح لهم فرصًا للعمل كمستقلين أو إلى الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا.

كما أن طلاب الثانوية العامة الراغبين في دراسة التخصصات التكنولوجية أمامهم العديد من الخيارات، حيث توجد في مصر نحو 76 كلية ومعهدًا في مجالات مثل الحاسبات والمعلومات والذكاء الاصطناعي، وتشمل كليات حكومية وخاصة، وتُعد هذه التخصصات من المجالات المطلوبة في سوق العمل.

كيف تقيم مستوى الوعي الرقمي لدى المراهقين في مصر؟ 

الوعي الرقمي لدى الشباب في الوقت الحاضر أصبح أفضل بكثير مقارنةً بما كان عليه قبل عشر سنوات من الآن ، إلا أن ما زالت هناك تحديات قائمة ، فالكثير من المنصات الرقمية تُصمَّم بطريقة تستغل احتياجات الشباب ومشكلاتهم الحياتية سواء كانت أسرية أو اقتصادية أو مهنية أو دراسية وتلعب على أوتار مشاعرهم واحتياجتهم

ومن لا يمتلك الوعي الكافي قد فريسة لهذا الفخ بسهولة ،فعلى سبيل المثال إذا كان أحد الشباب يمر بضائقة مالية، فإن العروض الرقمية المضلّلة قد تبدو له جذّابة أكثر، مما يدفعه إلى الانجراف وراءها، حتى وإن كان يدرك في قرارة نفسه أنها ليست طريقًا صحيحًا تمامًا.

ولا تزال هناك مشكلات واضحة في هذا المجال، والدليل على ذلك هو ارتفاع معدلات الجرائم الإلكترونية، من ابتزاز وتهديد ونصب، خاصة تجاه الفتيات، حيث يتم استغلال الثغرات الرقمية من قِبَل جهات لا نعرف مصدرها.

ما المبادرات التي تقوم بها وزارة الاتصالات لدعم التعليم الرقمي للمراهقين؟

تنظم وزارة الاتصالات الملتقى الثاني للمهنيين المستقلين خلال الشهر الجاري، وذلك ضمن جهودها لدعم العمل الحر في مصر ، كما تمتلك الوزارة مراكز الإبداع التكنولوجي المنتشرة في مختلف المحافظات، حيث يوجد حاليًا نحو 23 مركزًا ومن المقرر أن يصل العدد إلى 27 مركزًا بنهاية  هذا العام، بحيث يكون هناك مركز في كل محافظة من محافظات مصر الـ 27. تُقدِّم هذه المراكز تدريبات للشباب الراغبين في دخول مجال العمل الحر، حيث يتعلمون المهارات المطلوبة في البرمجة وأدوات التسويق الإلكتروني و وسائل الدفع الرقمي والذكاء الاصطناعي وأمن المعلومات ، كما يتم تعريفهم بالمنصات العالمية التي يمكنهم استخدامها للعمل وتحقيق الدخل عبر الإنترنت، مما يجعل هذا المجال وسيلة فعالة لتحقيق المكاسب الرقمية.

Back To Top