الخبير الاقتصادى حسام عيد : المراهنات الرقمية قنبلة موقوتة تهدد المراهقين
تحقيق: ريموندا أنور- فرحة محمد – مريم سمير- محمد رجب
وسط وعود براقة بالربح السريع وانتشار مؤثرين يروجون لتطبيقات تبدو احترافية يقع كثير من المراهقين في شَرَك المراهنات الرقمية ، منصات تتخفى في ثوب ألعاب أو استثمار لكنها في جوهرها أدوات للاستغلال المالي والنفسي تستهدف فئة عمرية هشّة تبحث عن ذاتها ومكانها في عالم سريع التحول.
يروي وليد محمد شاب يعمل حاليًا في شركة “روبلكس”، تجربته التي بدأت قبل خمس سنوات كلاعب يبحث عن التفاعل والمتعة في ألعاب متعددة اللاعبين ، وسرعان ما جذبته “روبلكس” بواجهتها البصرية وتصميمها الجذاب فبدأ بإنفاق مبالغ بسيطة على عملتها الافتراضية “روبكس” لشراء عناصر تجميلية وتحسين تجربته داخل اللعبة ، إلا أن وليد يشير إلى أن المنصة لا تكتفي بجذب اللاعبين ، بل تدفعهم بشكل مباشر وغير مباشر إلى الشراء من خلال نظام اقتصادي مدروس يقدم مزايا لا يمكن الوصول إليها إلا بالدفع مثل القدرات الخاصة أو العناصر الحصرية.
ويؤكد وليد أن “روبلكس” تستهدف المراهقين بشكل مباشر مما يجعلهم عرضة لفخ “الإنفاق غير الواعي” رغم وجود أدوات رقابة أبوية ومع ذلك يرى أن المنصة تفتح أيضًا بابًا للإبداع وتحقيق الدخل حيث تمكّن بعض اللاعبين من تحويل شغفهم إلى مشاريع ناجحة تعود عليهم بأرباح حقيقية ، بل هو نفسه يعتبر روبلوكس أكثر من مجرد لعبة بل إنها مساحة تعليمية ترفيهية تمزج بين البرمجة، التصميم، والتفاعل الاجتماعي لكنها تتطلب وعيًا ورقابة مستمرة لتجنب التحوّل إلى وسيلة إدمان أو استهلاك مفرط.
الدفع دون مقابل
حذّر المهندس “وليد عبد المقصود” خبير الأمن السيبراني بمباحث الإنترنت من تصاعد موجات استهداف المراهقين عبر الإنترنت خصوصًا من قبل شركات الألعاب والتطبيقات التي باتت تصمّم محتواها خصيصًا لجذب هذه الفئة العمرية واستغلالها ماديًا ونفسيًا ، ويقول “عبد المقصود” إن هذا الاستهداف لا يقتصر على الإعلانات الموجهة أو النماذج الاقتصادية المبنية على الدفع داخل اللعبة ،بل يمتد إلى ما هو أخطر مثل جمع البيانات الشخصية وإتاحة الفرصة لجرائم إلكترونية قد يُستدرج إليها المراهق دون وعي.

ويشير عبد المقصود إلى أن بعض التطبيقات تطلب صلاحيات لا مبرر لها مثل الوصول إلى الميكروفون أو الكاميرا أو الموقع الجغرافي ما يفتح بابًا واسعًا للابتزاز أو التجسس ، كما أن بعض المراهقين يتم استغلالهم دون إدراك في عمليات غسل أموال أو توزيع فيروسات إلكترونية، تحت غطاء العمل من المنزلة أو اللعب المدفوع .
ويؤكد عبد المقصود أن غياب الرقابة الفعالة سواء من الأسرة أو الجهات الرسمية يترك المراهقين أمام استغلال ممنهج وسط قوانين محلية ما زالت غير قادرة على ضبط التطبيقات العابرة للحدود ، ويضيف “بعض الشركات تبني أرباحها على استغلال المراهقين سواء عبر الدفع المستمر أو عبر المحتوى الذي يقدمونه دون مقابل” وفي ظل هذا الواقع يرى أن بناء الثقة بين الأهل والأبناء وتوفير التوعية الرقمية من داخل البيت هو الدرع الأول لمواجهة هذا الخطر المتنامي.
تهديد السوق المحلي
يحذر “حسام عيد” الخبير الاقتصادي ومحلل أسواق المال من أن المراهنات الرقمية أصبحت ” قنبلة موقوتة ” تهدد الاقتصاد المصري والمجتمع وفي السنوات الأخيرة ، اجتاحت تطبيقات وألعاب المراهنات الرقمية فئة واسعة من الشباب والمراهقين في مصر وأصبحت ظاهرة تستحق الوقوف أمامها نظرًا لتأثيراتها السلبية الكبيرة وأن هذه التطبيقات لا تقتصر على غياب الرقابة ، بل تُعتبر في معظم الحالات بوابة لعمليات نصب واحتيال تستهدف المراهقين وتستغل رغبتهم في الربح السريع.
وأكمل أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الأضرار الفردية فقط بل يمتد أثرها السلبي على الاقتصاد الجزئي والمجتمع ككل ،فالتطبيقات التي يتم تحميلها من منصات رسمية مثل App Store وGoogle Play تقدم نفسها كمجالات استثمارية لكنها في الواقع تعد بديلًا غير شرعي للمضاربات خاصة في العملات المشفرة مما يؤدي إلى استنزاف السيولة في السوق ويقلل من فرص النمو الاقتصادي المستدام ، والاقتصاد غير الرسمي الناتج عن هذه الأنشطة سحب الأموال من القنوات الشرعية مهددًا استقرار السوق المحلي ويذكر أيضًا أن حالات الاحتيال الممنهجة مثل واقعة جمع الأموال في أسوان والأقصر بدعوى استثمارها في البيتكوين تؤكد المخاطر الكامنة في هذا المجال ، إلا أن التحديات ما تزال قائمة خاصة في ظل غياب القوانين الرادعة التي تضبط النشاط من جذوره.
والمشكلة الأكبر تكمن في التحول الثقافي للمجتمع حيث أصبح نموذج الثراء السريع هو الحلم الأساسي للكثير من الشباب وهو ما يهدد القيم المجتمعية ، وأشار”حسام” إلى ضرورة تفعيل دور المؤسسات التعليمية والثقافية جنبًا إلى جنب مع الرقابة القانونية لحماية الأجيال القادمة من الانزلاق نحو الأنشطة الرقمية الضارة التي تهدد مستقبلهم الاقتصادي والاجتماعي.
فخ الربح السريع
يسلط المهندس “خالد خليفة ” الخبير التكنولوجي ورئيس مجلس إدارة شركة كلاود سوفت الضوء على التأثيرات المتناقضة للتكنولوجيا المالية والاقتصاد الرقمي على المراهقين في عصر تتسارع فيه التطورات التقنية ، ويؤكد خليفة أن التكنولوجيا المالية قد أسهمت في تسهيل عمليات التداول في البورصات وأسواق المال وأتاحت للمستثمرين استخدام تطبيقات ذكية لتحليل الأسواق وإتخاذ قرارات سريعة مما عزز الاستقرار المالي وأضاف إلى عالم المال الكثير من الفرص.

لكن من جهة أخرى يرى “خليفة” أن التطبيقات الإلكترونية التي تروج للمراهنات تستهدف المراهقين عبر ألعاب إلكترونية تبدو في ظاهرها مجرد وسيلة للترفيه ، لكن الهدف الحقيقي منها هو تحقيق أرباح ضخمة من خلال استغلال رغبتهم في الربح السريع وهذه الألعاب تُغري المراهقين بالمكاسب السريعة مما يؤدي إلى الإدمان والشعور بأن النجاح لا يتطلب سوى الجولات البسيطة في الألعاب، هذه العادة يمكن أن تؤدي إلى تدهور في الدافعية لدى المراهقين مما ينعكس سلبًا على حياتهم التعليمية والنفسية.
وشدد خليفة على ضرورة أن تتحمل الأسر والمدرسة والمجتمع ككل المسؤولية في نشر الوعي الرقمي خاصة لدى فئة المراهقين ، بينما يمكن توجيه التكنولوجيا نحو تطبيقات مفيدة تعزز الوعي الاقتصادي لدى الشباب مثل محاكاة حقيقية لإدارة الشركات أو منصات لجمع التبرعات لأغراض خيرية يجب على الشخصيات العامة في وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا المساهمة في توعية المراهقين بمخاطر المراهنات الرقمية وتقديم محتوى يسلط الضوء على هذه القضايا بشكل واقعي.
ويرى خليفة أن التكنولوجيا المالية ليست شرًا في حد ذاتها ولكن إذا تم استخدامها بشكل غير مدروس يمكن أن تتحول إلى سلاح مدمّر وبالتالي فإن الرقابة والوعي المجتمعي هما العاملان الأساسيان لضمان استفادة الأجيال القادمة من إمكانيات التكنولوجيا دون التعرض للمخاطر التي قد تؤثر على مستقبلهم.
يتضح أن التكنولوجيا المالية والمراهنات الرقمية قد أصبحت سيفًا ذا حدين يحمل إمكانيات هائلة للنمو الاقتصادي ولكنه يحمل أيضًا مخاطر جسيمة تهدد المراهقين والمجتمع ككل ، من ناحية قدمت هذه التقنيات فرصًا غير مسبوقة لتحسين الأداء المالي والتسهيل على الأفراد في إدارة استثماراتهم ،ومن ناحية أخرى أصبحت هذه التكنولوجيا بوابة لاستغلال الشباب وجذبهم إلى سلوكيات غير صحية وغير أخلاقية قد تؤدي إلى الإدمان الرقمي وتعزيز ثقافة الربح السريع على حساب التعليم والعمل الجاد.
والتحدي الذي نواجهه اليوم يتطلب تضافر الجهود بين الأسر، المدارس، الجهات الحكومية والمؤسسات التكنولوجية لتوجيه الشباب نحو الاستخدام الآمن والواعي لهذه الأدوات وتعزيز الوعي الرقمي ، كما يجب أن تتحمل الشركات التكنولوجية مسؤولياتها الأخلاقية في حماية المستخدمين خاصة المراهقين من الوقوع في فخاخ الاستغلال المادي والمعنوي.
