الدكتورة هبة شاهين: أؤمن بأن الخطأ خير معلم أما الصواب فيمر مرور الكرام

كتبت – شيماء عبدالباقي

الحمدُ لله“.. بهذه الكلمات تبدأ حديثها وبهذه الكلمات تختمه، ليست مجرد عبارة ترددها، بل يقين يسكن قلبها ورضا يلون رحلتها.

تؤمن بأن كل خطوة خاضتها، وكل نجاح حققته، وكل عثرة تجاوزتها، كانت لحكمة، وكانت خيرًا كتبه الله لها في مسيرتها، لم يكن الحمد مجرد ردة فعل على الإنجاز بل كان نهجًا، طريقًا، وسرًا من أسرار الصعود.

فكيف صنعت الدكتورة هبة شاهين، عميد كلية الإعلام رحلتها؟ وكيف تأثرت بوالديها؟ وكيف كان الحمد رفيقها الدائم؟.

بدأت الدكتورة هبة شاهين، عميد كلية الإعلام جامعة عين شمس، حديثها بأنها لطالما تخيلت نفسها صحفية تصيغ الحكايات، وتنقل الأحداث بقلمها، لم يكن في ذهنها يومًا أن تصبح أستاذة في الإعلام، فحين اختارت هذه الكلية، لم يكن حلم التدريس حاضرًا في مخيلتها.

نشأت في بيتٍ يُجلّ القانون والعدالة، فوالدها كان مستشارًا، وكانت تراه وهو يتصفح أوراقه بعناية قبل أن يتوجه إلى المحكمة، وجدت نفسها مأخوذة بعالم الهيئات القضائية، متسائلة: لِمَ لا أكون جزءًا منه؟.

على خطاهما أسير

لكن الواقع وقتها كان مختلفًا، فلم تكن المناصب القضائية متاحة للمرأة، بعكس اليوم حيث أصبحت الفرص واسعة أمامها، لم تكن خياراتها متباعدة؛ فالصحافة كانت الأقرب إليها، فقد أحبت الكتابة وعملت على تطوير أفكارها، ورأت في مهنة الصحافة تحقيقًا لشغفها.

أما اختيارها لكلية الإعلام، فلم يكن سوى خطوة منطقية، لكنه لم يكن يومًا طريقًا مرسومًا نحو التدريس، لم يكن التعيين في الجامعة ضمن أحلامها، لكنها سارت في الدرب الذي قادها إليه القدر، لتجد نفسها في المكان الأنسب لها.

وأضافت أن والدها ووالدتها كانا يعملان في أماكن مرموقة، فوالدتي كانت مدرسة في وزارة التربية والتعليم، وقد تأثرت بهما كثيرًا، وكان التعليم جزءًا أساسيًا في حياتهما، وقد ورثت هذا الشغف منهما، لكني اخترتُ خوضه من زاوية مختلفة، فكان مساري في التعليم الجامعي، وكانا دائمًا قدوتي، ليس فقط لنجاحهما المهني، بل لأنهما رغم مسئولياتهما الكبيرة، كانا حاضرين دائمًا لنا، وللأسرة.

اجتهاد وتدبير إلهي

لم أكن أعلم أنني سأُعيَّن وأنتقل من جامعة القاهرة إلى جامعة عين شمس، عندما التحقت بالجامعة، لم يكن لديّ حلم محدد، لكنني كنت متفوقة جدًا، وحققت المركز الأول بين زملائي، وبفضل ذلك، تمكنت من اختيار القسم الذي أرغب فيه، فالتحقت بقسم الإذاعة والتلفزيون، خاصةً أنه كان القسم الأكثر طلبًا في ذلك الوقت.

صارت حياتي بين ما أحببته وما اختاره الله لي، فحتى وإن كنت أرغب في أن أصبح صحفية، فقد منحني الله فرصة أعمق وأجمل، وهي أن أُدرّس أُدرّس الصحفيين أنفسهم، لا أن أكون واحدة منهم فقط.

وأكملت أن هناك لحظات في الحياة لا تُنسى أبدًا، ومن أبرزها لحظات حصولي على الماجستير والدكتوراه، وكذلك الترقية إلى أستاذ مساعد ثم أستاذ، وهذه ليست مجرد محطات في مسيرتي الأكاديمية، بل نقاط فاصلة، تمامًا كما يمر كل إنسان بلحظة تغيير لمساره في كل مرحلة من حياته، لا أنسى أبدًا ذلك اليوم الذي حصلت فيه على الدكتوراه، كنت أتساءل في داخلي: هل يعقل أنني حققتها بالفعل؟ ولكني أعلم أن الدكتوراه ليست نهاية الطريق، بل منتصفه، فهناك ترقيات تتطلب المزيد من الأبحاث والعمل، وهكذا تستمر الحياة، خطوات تتبعها أخرى، ونحو طموح لا يتوقف عند حد.

وأكدت أنه من الطبيعي أن يواجه الإنسان عوائق في كل خطوة، ولكن لا خيار سوى الاستمرار، ولا مجال للاستسلام، فالمشكلات ستظهر دائمًا، لكن الحلول كذلك، أنا مؤمنة بأن الأخطاء هي التي تُعلِّم، بينما يمر الصواب مرور الكرام من دون أن يترك أثرًا، وطالما أن الأحلام لا تزال حاضرة، فكل شيء ممكن.

أثر يبقى دائمًا

وأن قدوتها من لحظة دخولها الكلية، واحد من أكثر الشخصيات تأثيرًا في حياتها، قائلةً: كان أستاذي الراحل الدكتور عدلي رضا، أستاذي المشرف على رسالتي الماجستير والدكتوراه، ووكيل كلية الإعلام بجامعة القاهرة للدراسات العليا، ورئيس قسم الإذاعة والتلفزيون، والمستشار الإعلامي لوزير التعليم العالي لسنوات طويلة.

كان له بالغ الأثر في مسيرتي العلمية والمهنية، وكانت كلماته تتردد في مسامعي دائمًا، إذ كان يناديني بفخر: “الأستاذة الدكتورة هبة، هذه تلميذتي وابنتي”، وكان يعتبرني ابنته البكرية، كوني أول من نال درجتي الماجستير والدكتوراه تحت إشرافه، لقد كان علامة فارقة في حياة كل من عرفه، وأرجو أن أتمكن يومًا من ترك بصمة في حياة تلامذتي وزملائي والباحثين، كما ترك هو أثرًا خالدًا في حياتنا جميعًا.

نصيحة من ذهب

أوجه نصيحتي إلى الأهل والمراهقين، فالشاب لا يمضي في طريقه من دون أسرته، والأسرة لا تكتمل سعادتها من دونه، أيها الآباء، أحبّوا أبناءكم واحتووهم، فالتفاصيل الصغيرة التي تبدو عادية اليوم، ستصبح ذكريات لا تُنسى غدًا، الحب والمتابعة والرعاية تصنع فارقًا كبيرًا، وتحل كثيرًا من المشكلات، تابعوا أبناءكم بحب، راقبوا دراستهم وأنشطتهم، فالعلاقة القوية اليوم ستكون الملجأ حين يحتاجونكم لاحقًا، في هذا الزمن الصعب، لا تبخلوا عليهم بكلمات الحب والاهتمام، فهي أساس كل شيء: تعليمهم، أخلاقهم، نفسيتهم، وحتى مستقبلهم.

ونصيحتي للشباب والمراهقين، حافظوا على أخلاقكم، وهويتكم، وتعليمكم، واعمَلوا على تطوير أنفسكم، نعم، قد تواجهون صعوبات، لكن لديكم فرصًا وإمكانات لم تكن متاحة من قبل، مثل التكنولوجيا التي جعلت العالم في متناول أيديكم، صحيح أن لها تحدياتها، لكنها في الوقت ذاته سهلت الكثير من الأمور، استغلوا وقتكم بحكمة، واستفيدوا من مهاراتكم، فأنتم جيل مبدع رقميًا، استخدموها لتطوير أنفسكم وتحقيق أحلامكم.

وبهذه الكلمات اختتمت حديثها بأن لا شيء يجب أن يوقفكم، وإن أغلق باب، فهناك دائمًا أبواب أخرى تنتظركم، والأهم من كل ذلك، تذكروا أن الأخلاق لا تنفصل عن الدين، وأن القيم الحقيقية لا تزول، فهي التي تحدد من أنتم، وما يمكنكم أن تحققوه لأنفسكم، ولأهلكم، ولوطنكم.

Back To Top