المستشار أمير رمزي:”طريقي مرسوم بتدبير إلهي لم أخطط له”

حوار- كرستين ميلاد

عند دخولنا إلى مؤسسة “راعي مصر للتنمية” لإجراء حوار مع المستشار أمير رمزي، رئيس محكمة الجنايات، كان المشهد الأول الذي لفت انتباهنا هو أكوام من الكراتين المرتبة بعناية، وقد كُتب عليها بخط واضح ومشرق “رمضان كريم”، في إشارة إلى تجهيزها للتوزيع على المحتاجين وغير القادرين، بدا المكان نابضًا بروح العطاء والمساندة.

لم تمر سوى لحظات حتى استقبلنا المستشار أمير رمزي بابتسامة هادئة، تحمل في طياتها بساطة متناهية وتواضعًا يعكس طيبة قلبه، لكن في الوقت ذاته، لم تغب عنها ملامح الوقار التي تميز رجال القضاء، ذلك الوقار الذي يفرض احترامًا تلقائيًا من دون تكلف.

لم يكن مجرد قاضٍ منشغل بساحات المحاكم وإصدار الأحكام، بل كان حاضرًا وسط المجتمع قريبًا من معاناته، مدركاً لاحتياجاته، لم تمنعه هيبته القضائية من الانخراط في العمل الإنساني، بل زادته مسئولية تجاه من يحتاجون العون.

أسلوب حياة

وعندما سألناه عن متى بدأ حبه للعمل الخيري، ابتسم وكأنه يسترجع ذكريات قد عاشها في طفولته، وبالفعل أخبرنا بأنه في قلب مدينة بني مزار بمحافظة المنيا، نشأ وترعرع على قيم العطاء وحب الخير.

لم يكن العمل الخيري بالنسبة إليه مجرد فكرة، بل كان أسلوب حياة نشأ عليه منذ نعومة أظافره، وكان منزله مفتوحًا دائمًا للمحتاجين، فوالدته كانت تستقبل الفقراء وتقدم لهم المساعدة، لا تكتفي بالدعم المادي، بل كانت تعلم الفتيات غير القادرات حِرفًا يدوية مثل: الكروشيه، والأعمال اليدوية، ليتمكنّ من كسب رزقهن بكرامة.

أما والده، فكان جزءًا من خدمة الفقراء، يساعد ويساند المحتاجين من دون مقابل، فكبر وهو يرى كيف يكون العطاء أسلوب حياة، وليس مجرد إحسان مؤقت.

بدأ العمل الخيري في نطاق ضيق، بمساعدة عدد قليل من الأسر في منطقته، لكن سرعان ما انتشر الخير ليصل إلى مناطق أخرى.

خطوة بخطوة، وجد نفسه يخدم في محافظات مختلفة، من أسوان إلى الإسكندرية، حتى أصبح تأثيره ممتدًا على مستوى الجمهورية.

يقول: “لم يكن الأمر مخططًا لي، لكن الله كان يرسم لي طريقًا لم أكن أراه في البداية، كنت أساعد أسرًا قليلة، ثم زاد العدد، وبدأ الناس يطلبون المساعدة من أماكن أبعد، فجأة، وجدت نفسي مسئولًا عن مئات الأسر، ثم آلاف، وكان عليّ أن أتحمل هذه المسئولية بالكامل”.

وعن تسمية المؤسسة بهذا الاسم، فقال لنا: “راعي مصر” ليست مجرد اسم لمؤسسة، بل رسالة بحد ذاتها.

“الراعي” هو الله، وهو من يُسخّر الناس لخدمة غيرهم؛ لذلك، عندما نوزع صندوقًا من المساعدات أو نوفر علاجًا لمريض، أو نساعد في تجهيز فتاة للزواج نقول لهم: “هذا عطاء من الله، وليس من شخص أو جهة بعينها”، أما كلمة “مصر” في اسم المؤسسة، فهي تأكيد على أن لهذا الوطن دورًا في رعاية أبنائه، ليشعر كل محتاج بأن بلده لم تنسَه، وأن الإنسانية فوق كل شيء.

رسالة سامية

أما عن كونه قاضيًا ورئيس محكمة الجنايات، فأكد أن القاضي ليس منفصلًا عن المجتمع، بل فرد يعيش التحديات نفسها ويدرك معاناة الناس؛ لذا، عند إصدار الأحكام، لا ينظر فقط إلى القوانين، بل يراعي الظروف الإنسانية لكل قضية، فهو يدرك أن الفقر قد يدفع البعض إلى الجريمة، وأن خطأ شاب صغير قد يدمر أسرة بأكملها، العدالة ضرورية لحماية المجتمع، لكن الرحمة تضمن ألا يصبح القانون أداة للقسوة، بل وسيلة لإعادة التوازن للحياة.

وأفصح لنا عن أنه لو لم يكن قاضيًا لكان طبيبًا، لأن الطبيب لديه رسالة سامية في الحياة، قائلا “الطبيب ينقذ بني آدميين إنما القاضي بيحكم على البني آدميين”، وهذه كانت واحدة من التحديات التي عاشها في حياته.

فهو كان يحلم بأن يدخل كلية الطب لكن مجموعه في الثانوية العامة لم يمكنه من تحقيق حلمه، فالتحق بكلية الحقوق جامعة عين شمس، وأكد أنه أصبح في هذا المنصب بسبب السمعة الطيبة لأبيه، لكن هذا أيضًا كان تحديًا آخر له بأن يكمل باجتهاده ومهارته، وأن يكون في ذلك المكان لأنه يستحقه بالفعل.

ورغم انشغاله بالأعمال الخيرية وبالقضايا في المحاكم، لكنه لم ينشغل عن صحته الجسدية وهواياته، قائلاً: “زمان كنت بلعب سكواش، وكنت بدخل بطولات”، وتوقف عنها بسبب إصابة في الركبة، لكنه ما زال يذهب إلى الجيم فهو أمر ضروري له، ويحب القراءة والكتابة وكل ما يغذي العقل.

شخص نافع

أوجه نصيحتي للكبار والصغار، أهم ما يجب أن يحرص عليه الإنسان في حياته هو أن يكون شخصًا نافعًا، سواء كان رجلًا أو امرأة، وأن يربي أبناءه على قيم الخير والعطاء ليكونوا نافعين للمجتمع لا عبئًا عليه أو سببًا في مشكلاته، فالمجتمع يحتاج إلى من يبنيه، لا من يهدمه.

ليس من الضروري أن يكون لك اسم كبير أو أن تقوم بعمل عظيم حتى تكون شخصًا نافعًا، أذكر أنني قابلت سيدة مسنة تبلغ من العمر 76 عامًا، وكان دخلها الشهري 79 جنيهًا فقط.

وعندما سألتها عن حالها، أخبرتني بأنها لا تأخذ سوى 71 جنيهًا، وحين استفسرت عن السبب، أجابتني بكل يقين: “أنا أُخرج الذكاة لله”، فرغم فقرها وحاجتها، لم تتردد في مساعدة غيرها، وكانت مثالًا حيًا للإنسان النافع الذي يفكر في الآخرين حتى وهو في أشد الحاجة. لذلك، نصيحتي لكل شخص: كن نافعًا في مجتمعك، ليس المهم مقدار ما تملك، بل كيف تستثمره في الخير، “لا تكن سببًا في المشكلة، بل كن دائمًا سببًا في حلها”، فهذا هو المعيار الحقيقي للإنسان النافع.

Back To Top